بدأ العد العكسي لانعقاد المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية وسط تباين في الآراء حول رجل المرحلة المقبلة القادر على إعادة الحزب إلى الواجهة السياسية مرة أخرى؛ غير أن السياق الداخلي لحزب “المصباح” ذي المرجعية الإسلامية تهيمن عليه خرجة مصطفى الرميد، القيادي السابق في الحزب ووزير العدل والحريات، في برنامج “الشاهد” للزميل هشام العمراني، الذي فجّر فيه الكثير من الحقائق والمفاجآت بخصوص مرحلة قيادة الحزب للحكومة والتي قسّمت الرأي الداخلي بين مؤيد ومنتقد له.
ونال الرميد قسطا وافرا من النقد والتقريع من لدن أعضاء في حزب العدالة والتنمية من مؤيدي الأمين العام عبد الإله بنكيران، في مقابل احتفاء وابتهاج بما جاء على لسان الرميد من انتقادات لرئيس الحكومة الأسبق وتدبيره للحزب وقيادة الحكومة، خاصة التصريحات التي كانت تضعه في موقف حرج أمام الملك الذي يتصل به ويؤنبه عليها مرارا وتكرارا، حسب الرميد دائما.
وفي ظل الوضع الذي يعيشه حزب “المصباح” بتشعباته المختلفة، قال عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، إن مؤتمر حزب العدالة والتنمية المقبل “لا يمكن إخراجه عن سياق انعقاده”، وبيّن أن السياق الموضوعي مرتبط بـ”التحولات الوطنية والدولية التي لها تأثير في مخرجات هذا المؤتمر”.
واستدرك اليونسي، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، مبينا أن السياق الذاتي له دوره أيضا، إذ أوضح أن آثار “التجربتين الحكوميتين، خصوصا بلوكاج 2016 والقضايا الخلافية في تجربة الدكتور سعد الدين العثماني ثم نتائج انتخابات شتنبر 2021، ما زالت ترخي بظلالها على الحزب مع تسجيل تحسن موقعه سياسيا وتأرجح بنائه مجاليا كقوة انتخابية”.
وسجل الأستاذ الجامعي المتخصص في العلوم السياسية أن ما قد يفهم من حوار الرميد المثير هو أنه “استباق أو توجيه للمؤتمر، هو استمرار لتقييم المراحل السابقة وبحث جميع الأطراف عن نسب الإخفاق لبعضهم البعض”، مشيرا إلى أن حالة الجفاء بين القيادات التأسيسية لحزب العدالة والتنمية “تتجاوز الاختلاف في التقدير السياسي، خصوصا في مرحلة التدبير الحكومي، إلى وجود تباين واختلاف مرتبط بمسارات هذه القيادات، لا سيما في العلاقة بتنظيماتهم السابقة وبطباعهم الشخصية أيضا وبارتباطاتهم وعلاقاتهم الحالية بالدولة ومؤسساتها”.
وسجل اليونسي أنه “ينبغي أن لا ننسى أن ثمة تحولات جيلية في المؤتمرين، وأظن أنها تنظر إلى واقع الحزب الحالي ومصادر قوته السياسية والانتخابية؛ وبالتالي فمؤتمر الحزب سيكون لحظة تؤسس لانتقال يضمن تجدده في إطار الاستمرارية”، وفق تعبيره.
من جهته، سجل عبد الله أبو عوض، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، أن حال “بيجيدي” كما هو حال كل الأحزاب السياسية، “الولاء فيه ليس للمؤسسة الحزبية بنسبة كبرى، بل الولاء للأشخاص”.
وأضاف أبو عوض، مبينا في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن التباين الواضح في الآراء بين القيادات يفيد بأن مقاربة عودة الحزب إلى الواجهة “ليس من اهتمام التنظيم الداخلي وتوزيع الأدوار في الخرجات السياسية، وإنما هناك عوامل أخرى تعمل على رجوع العدالة والتنمية إلى المشهد السياسي العام”.
وزاد المحلل السياسي ذاته موضحا هذه العوامل التي يبرز من بينها ظهور الحزب كـ”معارضة في البرلمان، في ظل غياب معارضة حقيقية للتحالف الثلاثي المشكل للحكومة”، مبرزا أن حزب العدالة والتنمية يعتمد مقاربة الإسلام الحركي التنظيمي، الذي “يختبئ وراء الإسلام السياسي، الذي هو عنوان المستقبل السياسي القريب، وأن الخطاب الكلاسيكي في التفسير السياسي للشأن العام يلقى القبول التام شعبيا”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن خرجات بعض الوزراء “تؤجج سؤال الهوية والاستقرار الأخلاقي لدى المغاربة؛ وهو ما يرفع أسهم الحزب عند العوام”، مذكرا أن العدالة والتنمية من الناحية التنظيمية على المستوى الهيكلي “جد متماسك. ويبقى حزبا حكم لولايتين متتاليتين تجعله من رهانات الدولة لأي مستجد أو متغير سياسي وخاصة الدولي، ليكون الوسيلة الفاعلة في العمل السياسي”.
كما أفاد أبو عوض بأن صقور حزب العدالة والتنمية لهم كلمة في الحزب ومن تم التأثير على التنظيم، واستدرك: “حقا بنكيران له قوته التواصلية وحضوره في المشهد السوسيو تواصلي؛ ولكنه صار مستهلكا من الناحية السياسية”، معتبرا أن هذا المعطى يفرض على الحزب “تجديد قيادته للسير قدما نحو المشاركة السياسية المؤثرة في المرحلة القادمة.
وشدد أبو عوض على أن حزب العدالة والتنمية يوجد في “ملتقى طرق”، ولا بد له من إعادة تجديد قيادته للمضي قدما نحو تفعيل الحضور في المشهد السياسي، مؤكدا أن الاختلاف بين صقور الحزب “لا يعني بلوغ الخلاف، حتى لا يسمح للمنافسين السياسيين الركوب على ذلك، ولا أستبعد أن هناك تواصلا ثنائيا يرفع اللبس ويوضح رؤية العمل”، وفق رأيه.