في تقرير حديث أصدره مركز الإصلاح الأوروبي (CER) ، وهو هيئة غير حكومية، يبرز فشل الاتحاد الأوروبي في تحقيق أهدافه للحد من الهجرة غير النظامية من خلال سياساته الصارمة في منح تأشيرات “شنغن” لمواطني الدول الإفريقية، بما في ذلك المغرب.
التقرير، الذي يحمل عنوان “الوصول ممنوع.. نظام التأشيرات التمييزي للاتحاد الأوروبي يقوض سمعته في إفريقيا”، يكشف عن “تناقضات” بين الخطاب الرسمي للاتحاد، الذي يروج لتعزيز العلاقات بين الشعوب، وبين السياسات الفعلية التي تعيق التواصل والتنقل بين أوروبا وإفريقيا.
وأكد التقرير أن الاتحاد الأوروبي، رغم تركيزه على قضايا الهجرة وأمن الحدود، لم يتمكن من تقديم أدلة واضحة تثبت بأن التشدد في منح التأشيرات يقلل معدلات الهجرة غير النظامية أو التجاوزات في الإقامة داخل دول الاتحاد، بل يشير، على العكس، إلى أن هذه السياسات تسببت في أضرار جانبية كبيرة، منها تقويض سمعة الاتحاد في إفريقيا، وإعاقة الفرص الاقتصادية والثقافية بين القارتين.
كما يبرز التقرير أن النظام الحالي للتأشيرات يعكس تمييزاً واضحاً ضد الدول الإفريقية، حيث يتم رفض طلبات تأشيرات لشخصيات بارزة مثل مهندسين معماريين وأكاديميين وفنانين ورجال أعمال، دون تقديم مبررات كافية، مشيراً إلى أن هذا الوضع دفع العديد من الأفارقة إلى التخلي عن محاولات زيارة أوروبا لأغراض العمل أو المشاركة في فعاليات دولية، مما يحد من التبادل الثقافي والاقتصادي.
ويكشف التقرير أيضا أن الاتحاد الأوروبي يستخدم نظام التأشيرات الصارم كوسيلة للضغط على الدول الإفريقية للتعاون في إعادة قبول المهاجرين المرحلين من أوروبا. فمنذ عام 2019 اعتمد الاتحاد هذه الآلية التي تربط تسهيل منح التأشيرات بمدى تعاون هذه الدول في ملف الترحيل. وأبرز أنه رغم المفاوضات المستمرة مع المغرب وتونس ونيجيريا لإبرام اتفاقيات إعادة القبول، لم ينجح الاتحاد إلا في التوصل إلى اتفاق مع الرأس الأخضر، فيما تعثرت المحادثات مع المغرب وغيره، مشيراً إلى أنه “حتى الدول التي تتعاون بشكل غير رسمي لا تستقبل سوى أعداد قليلة جداً من المرحلين، مما يعكس فشل هذا النهج في تحقيق أهدافه.”
ومن الناحية السياسية، يرى التقرير أن هوس الاتحاد الأوروبي بالهجرة يتعارض مع مصالحه الجيوسياسية و”القوة الناعمة” التي يسعى إلى تعزيزها في إفريقيا. ففي الوقت الذي يتحدث قادة الاتحاد عن أهمية العلاقات بين الشعوب، تروي سياسة التأشيرات قصة مختلفة، تعزز الانطباع السائد لدى الكثير من الأفارقة بأن الاتحاد لا يزال يمثل بقايا نظام استعماري تمييزي.
أما اقتصادياً، فحذر التقرير من أن استمرار هذا النهج سيؤدي إلى خسارة أوروبا فرص الاستفادة من القوى العاملة الإفريقية الشابة، التي ستمثل بحلول عام 2050 ما يقارب ربع القوى العاملة العالمية. وفي ظل شيخوخة السكان في أوروبا، يصبح التمسك بالحدود المغلقة خياراً مكلفاً، سواء من الناحية الاقتصادية أو الديموغرافية.
ودعا التقرير الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في نظام التأشيرات الحالي، وإدخال إصلاحات تتضمن تطبيق قواعد أكثر مرونة للدول الإفريقية لتعزيز “القوة الناعمة” واستعادة سمعته في القارة، مشيرا إلى أنه بدل الاستمرار في سياسات تبدو عقابية وغير فعالة، يمكن للاتحاد أن يستثمر في شراكات حقيقية تعود بالنفع على الطرفين، وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون بدلاً من إغلاق الأبواب.