أخبار عاجلة

لغتيري يُبدد "أوهاما تركية".. هوية مشتتة وفجوة بين "الحلم والحقيقة"

لغتيري يُبدد "أوهاما تركية".. هوية مشتتة وفجوة بين "الحلم والحقيقة"
لغتيري يُبدد "أوهاما تركية".. هوية مشتتة وفجوة بين "الحلم والحقيقة"

رصد الكاتب مصطفى لغتيري، في مقال له، تحوّل نظرته إلى تركيا من “صورة ذهنية مشبعة بالتناقضات إلى واقع ملموس يكشف الفجوة بين الحلم والحقيقة”، متأملا في العلاقة المعقدة بين الأتراك والعرب، قبل أن يكشف عن هوية تركية متأرجحة بين الانتماء الإسلامي والطموح الغربي، حيث تسقط الأوهام أمام تفاصيل الحياة اليومية وسلوك الإنسان التركي.

نص المقال:

دوما تشكلت تركيا في مخيلتي كفكرة هلامية صعبة على التحديد تتجاذبها مشاعر متناقضة، وتغذيها تناقضات التاريخ، الذي يقدم لنا هذا البلد بشكل مرتبك، خاصة في علاقته بالعرب والمسلمين عموما. فتركيا جزء من كيان إسلامي كبير يترعرع في عقول الكثيرين كاحتمال ممكن، فيما يتشكل في أذهان الباقين كبلد غاز، حاول طمس البعد الهوياتي للبلدان التي هيمن عليها.

أما في عصرنا الحديث فهذا البلد يقدم نفسه، على الأقل إعلاميا، بشكلين مختلفين متناقضين، أولا باعتباره دولة أوربية الشكل شرقية الروح، استطاعت الحفاظ على توازن ما لتخلق تنمية اقتصادية واجتماعية، تجعل منها نموذجا يحتذى من طرف البعض، كما أنها تشكل في الآن نفسه تركيبة سياسية غريبة، تجمع ما بين الطابع العلماني الذي رسخه مصطفى كمال أتاتورك، الذي أطاح بدولة الخلافة، وبنى في المقابل دولة حديثة، تسعى إلى الالتحاق بالركب الحضاري الأوربي المتقدم، وبين النموذج الحالي الذي يتزعمه طيب رجب أردوغان، الذي يقدم نفسه على أنه ذو طابع إسلاموي بمعنى تمثيله للإسلام السياسي، الذي يحاول إثبات نفسه وتصوراته للسياسية انطلاقا من طروحات دينية معينة، دون المساس بعلمانية الدولة.

هذه الأفكار المتناقضة لا يمكن إلا أن تحفز المرء على زيارة هذا البلد، حتى يكون فكرة واضحة حول هذه “التركيا”، فـ”ليس من رأى كمن سمع” كما يقال.

الوصول إلى تركيا يبدد الأوهام بسرعة، وشيئا فشيئا يكتشف المرء الفرق الكبير بين الوهم والحقيقة، بين الحلم والواقع، وبالتأكيد فالرفقة الطيبة والجميلة والواعية تزيد من ترسيخ هذه الأفكار، لأنها تساعدك على المقارنة والتحليل والاستنتاج.

أقصد مقارنة البعد الإنساني لما يمكن أن يتخيله المرء وهو بعيد بآلالف الكيلومترات وبين ما هو واقعي وملموس، حتى إنه قد يتملكه الوهم من أنه ينتمي مع هذا البلد إلى كتلة واحدة، فإذا المعايشة تكشف الحجب؛ فهذا البلد الجميل بعمرانه الحديث وبطبيعته الخلابة وبنيته التحتية القوية يخبرك هو بنفسه بأنه لولا صوت الأذان ومناظر المساجد المتناثرة هنا وهناك بشكلها الجميل، الذي يحفزك على التقاط الصور أكثر من أي شيء آخر، لما عرفت أنك في بلد إسلامي، كما لا يتردد أهله في إخبارك، دون أن يكلفوا نفسهم التفوه بعبارة واحدة، من خلال نمط عيشهم وسلوكاتهم وتعاملهم معك كضيف عربي أو إفريقي أو مسلم، وكأنهم يقولون للضيوف: أيها الزوار الغرباء لا شيء يجمعنا بكم سوى مسجد الفاتح أو آية صوفيا أو ميدان تقسيم، فاذهبوا إلى هناك واستمتعوا بالمكان، والتقطوا الصور، ولا تحدثونا أو تقتربوا منا، وإياكم أن تفكروا في أننا نشبهكم، ثم عودوا لبلدانكم بأسرع ما يمكن.

هذا الانطباع ترسخ لدي شيئا فشيئا حتى أصبح قاعدة قوية تأكدت منها من خلال انطباعات جل المشاركين في هذه الرحلة الاستكشافية الجميلة، فقد شعروا جميعا، وهم أساتذة تخصصات مختلفة، ومن أجيال متباينة، بأن وهم الانتماء إلى الهوية والثقافة نفسهما صعب ملامسته هنا.

الإنسان هنا نموذجه هناك في ألمانيا وبريطانيا وأمريكا، وحلمه الوحدوي كذلك هناك، وفي نظرته تشعر بأنه لم يتخلص بعد من تلك النظرة المتعالية تجاه العربي، الذي كان تابعا لدولته العثمانية سابقا.

وفي الحقيقة، ومن جهة أخرى هذه المرة تتمتع بكثير من الإشراق، فلولا وجود هذا العربي الممثل تحديدا في الشعب السوري لكانت هذه الرحلة فاقدة للمعنى تماما، فما سجلته من انطباعات حول الإنسان التركي هو تحديدا ما اتفق معي فيه جل أولئك السوريين الذين يمكن للمرء أن يزور تركيا من أجلهم وهو متأكد أن له إخوانا هنا، في انتظار أن يتعافى بلدهم الجريح، ويعودوا إليه، فلا أكرم للمرء من بلده.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق 5 مواسم من الوعود.. أرسنال وأرتيتا إلى أين؟
التالى حقل زاكوم السفلي.. 17.2 مليار برميل نفط تعزز إنتاج الإمارات