احتفالاً بالنسخة الحادية عشرة من شهر التراث العربي بمدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية نظم المركز الثقافي بهيوستن، بشراكة مع مؤسسة التعليم العربي الأمريكي ومركز الدراسات العربية بجامعة هيوستن، والرابطة المغربية بهيوستن، ندوة علمية لتسليط الضوء على شخصية مصطفى الزموري (استيفانيكو)، أول مستكشف مغربي وإفريقي معروف في تاريخ أمريكا الشمالية.
الندوة التي احتضنتها جامعة هيوستن الأمريكية والمركز الثقافي العربي، وشارك فيها عدد من الأساتذة والأكاديميين المغاربة والأمريكيين، والمنظمة تحت عنوان “استيفانيكو: تتبع خطى مستكشف إفريقي استثنائي”، عرفت حضور عدد مهم من أبناء الجالية المغربية والعربية والإفريقية بولاية تكساس، ومشاركة القنصلية العامة للمملكة المغربية في شخص رجاء الكركاري، نائبة القنصل العام، والدكتورة نوره غارالا Norah Gharala، أستاذة تاريخ المكسيك الاستعماري من جامعة هيوستن، والبروفيسور عبد السلام الإدريسي من جامعة CUNY بمدينة نيويورك، والأنثروبولوجي المغربي الدكتور احساين إلحيان من The University of Arizona، والأستاذ الجامعي عبد اللطيف عدناني، والأستاذ الخدري عبد الإله عن المركز الثقافي العربي بهيوستن؛ تناوبوا على تناول واستكشاف مسار وأسرار شخصية مصطفى الزموري كل من زاويته الأكاديمية والتاريخية بعد مشاهدة شريط مصور عنه من إنجاز المصور السينمائي التركي راشد منصور إسماعيل.
في كلمته الافتتاحية اعتبر الخدري عبد الإله، عضو مجلس أمناء المركز الثقافي العربي بهيوستن، أن الندوة تأتي في إطار احتفال المركز بشهر التراث العربي الذي ينظم في شهر أبريل من كل سنة، مشيرا إلى “برمجة الاحتفاء بالرحالة الذين عرفهم تاريخ المغرب، فكانت البداية مع الرحالة المغربي ابن بطوطة، وهذه السنة يتم الاحتفاء بشخصية مصطفى الأزموري، الذي يعد للأسف غير معروف عند عدد من العرب والأفارقة، وحتى بعض المغاربة هنا في هيوستن، كأول إفريقي مغربي مسلم يأتي لأمريكا”، ولافتا إلى أن “مثل هذه الفعاليات سوف تستمر إلى غاية 2027، السنة التي ستعرف تخليد 250 سنة من العلاقات المغربية الأمريكية”.
الدكتورة نوره غارالا Norah Gharala ركزت في محاضرتها على أهمية استعادة التاريخ المنسي لشخصية إستيفانيكو دورانتس أو (مصطفى الزموري)، الذي كان من أوائل الأشخاص ذوي الأصول الإفريقية في الأمريكيتين خلال القرن السادس عشر، ودوره في تاريخ الشعوب الأصلية كشعب الزوني وأمم أخرى.
واستعرضت الدكتورة بجامعة هيوستن جانبا من الرحلات والمخطوطات التي توثق وجود علاقات عبر المحيط الهادئ والأطلسي، وظهور شخصيات من أصول شمال إفريقية وإفريقية مبكرة في الأمريكيتين، مثل غاسبار من آسفي وخوان جاريدو وبياتريث دي بالاثيوس، وأشارت إلى كيفية تصوير استيفانيكو في السرد الإسباني كشخصية ثانوية، بينما تحاول الدراسات الحديثة إعادة تقديمه كقائد إستراتيجي سعى إلى الحرية ورفض العبودية، مجسداً نموذجاً للفاعلية الإفريقية المبكرة.
كما دعت المتدخلة إلى التفكير في تدريس تاريخ مصطفى الزموري في المدارس، وإبراز قيمته كشخصية محورية في التاريخ المشترك بين إفريقيا والأميركتين، وتوسيع النظرة إلى مساهمات الأفارقة وأحفادهم في بناء المجتمعات الحديثة الأولى في المكسيك والعالم الجديد.
من جانبه اعتبر الدكتور عبد السلام الإدريسي، أستاذ علم الأعصاب بجامعة مدينة نيويورك، في محاضرته، أن قصة استيفانيكو، أو مصطفى الزموري، هي مساهمة استثنائية غالباً ما يغفلها التاريخ الرسمي، موردا أن استيفانيكو، المولود في مدينة أزمور المغربية، تحول من وضعية العبودية إلى دور محوري كمرشد ومترجم وقائد خلال حملات الاستكشاف الإسبانية في جنوب غرب الولايات المتحدة، ومشيراً إلى قدرته الفريدة على بناء جسور التفاهم بين الثقافات الأصلية والمستكشفين الأوروبيين رغم ظروفه القاسية.
وأكد المحاضر ذاته أن قصة استيفانيكو تمثل نموذجاً حياً للعمق التاريخي للجذور العربية والإفريقية في تكوين الهوية الأمريكية، داعياً إلى إعادة إدماج هذه السرديات المنسية في الوعي الجماعي؛ كما ربط بين مسار استيفانيكو وبداية العلاقة التاريخية بين المغرب والولايات المتحدة، إذ كان المغرب أول دولة تعترف باستقلال أمريكا سنة 1777، وهو حدث ستُحتفل بذكراه الـ 250 سنة 2027، بالتزامن مع الذكرى الـ 500 لرحلة استيفانيكو.
وختم المتحدث مداخلته بتأكيد أهمية استلهام قيم الشجاعة والانفتاح التي جسدها استيفانيكو، مردفا بأن مسيرته رمز لمفهوم “بناء الجسور” الذي يجب أن يواصل إلهام الأجيال الحالية، في وقت يحتاج العالم أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز الحوار والتضامن العابر للثقافات والقارات.
في كلمتها عن القنصلية العامة للمملكة المغربية أبرزت رجاء الكركاري أهمية الإرث التاريخي لاستيفانيكو، الذي عبر المحيط الأطلسي من المغرب قبل خمسة قرون، رابطا بذلك بين المغرب والأمريكتين، مشيرة إلى أن هذا الارتباط تُوج باعتراف المغرب باستقلال الولايات المتحدة عام 1777 وتوقيع معاهدة السلام والصداقة عام 1786، أقدم معاهدة أمريكية مازالت سارية.
وأكدت الدبلوماسية المغربية أن المغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس، يواصل اليوم كتابة فصل جديد من هذه العلاقة عبر المبادرة الملكية للأطلسي، التي تعزز التعاون بين الدول الإفريقية ودول حوض الأطلسي، من خلال بناء موانئ إستراتيجية ومشاريع طاقية مشتركة، وأوضحت أن الدينامية الأطلسية الجديدة تعكس رؤية تقوم على الشراكة المتكافئة والتكامل، مشددة على أن المغرب لم يعد مجرد طرف متلقٍ، بل أصبح محركًا رئيسيًا في بناء تعاون جنوب-جنوب أكثر توازنًا وازدهارًا؛ وختمت كلمتها بالدعوة إلى الاحتفاء بروح الحوار والانفتاح التي جمعت الشعوب عبر التاريخ ومازالت تلهم حاضرها ومستقبلها.
وفي مداخلته قدم الدكتور احساين إلحيان، أستاذ دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بجامعة أريزونا، قراءة جديدة لشخصية استيفانيكو دي دورانتيز، المستكشف المغربي الأصل، من خلال مفهوم “الإنسان الأطلسي” (Homo Atlanticus)، معتبرا أن استيفانيكو، الذي عبر العوالم الإفريقية والأوروبية والأمريكية الأصلية، يجسد رمزية التكيف الثقافي وصناعة الذات في بدايات التاريخ الأطلسي.
وأبرز المحاضر أن مسار مصطفى الزموري يكشف عن انخراط المغرب العميق في المحيط الأطلسي قبل الحقبة الكولومبية، داعياً إلى إعادة النظر في التاريخ الأطلسي باعتباره فضاءً متشابكاً يتجاوز الروايات الأوروبية-الأمريكية التقليدية.
كما ربط الأستاذ احساين إلحيان إرث استيفانيكو برؤية المغرب الحالية لتعزيز حضوره الأطلسي، معتبراً أن استعادة هذه القصة تقدم نموذجاً حياً للربط بين إفريقيا وأوروبا والأمريكتين بروح من الشراكة والفاعلية.
وبالموازاة مع الندوة تم توقيع كتابي “استيفانيكو.. تتبع خطى مستكشف إفريقي استثنائي”، الذي شارك في تأليفه كل من الدبلوماسي المغربي عبد القادر الجموسي، القنصل العام للمملكة المغربية بنيويورك، والدكتور عبد السلام الإدريسي، وكتاب “استيفانيكو.. ببليوغرافيا مختارة المستكشف المغربي لأمريكا الإسبانية”، لمؤلفيه عبد القادر الجموسي واحساين إلحيان، خلال حفل استقبال على شرف المشاركين، وسط أجواء مغربية أصيلة تم خلالها تقديم مأكولات تقليدية وحلويات وشاي مغربي، في إطار احتفال ثقافي يعكس عمق الروابط الحضارية والتاريخية التي تجمع المغرب بالعالم الجديد منذ أكثر من خمسة قرون.