في شوارع روسيا الواسعة، ووسط أجوائها الباردة، تُكتَب قصص حب يختلط فيها الدفء المغربي بالصمود الروسي. تبدأ عادة بلقاء عابر في شارع “نيفيسكي بروسبكت” بمدينة سانت بطرسبرغ، أو بلمحة عين في زحام مترو العاصمة موسكو، لتنتهي بزواج تُغنَّى فيه الأهازيج بلهجات تمتد من نهر “أبي رقراق” إلى “نهر الفولغا”، في معادلة حب تتحدى المنطق وشتاءً لا يعرف الروس غيره فصلًا.
في روسيا الاتحادية، يوجد العديد من المواطنين المغاربة الذين لم يعد الشتاء الروسي الطويل ذلك الوحش الأبيض المخيف بالنسبة إليهم، بل تحوَّل إلى موسم للدفء العائلي والذكريات الجميلة في “بلد القياصرة”، الذي اختاروه وطنًا وموطنًا لتكوين أسرة. وهو ما يشكِّل نموذجًا يستحق الدراسة في الاندماج الثقافي والزواج المختلط الناجح، الذي تخطّى الحدود الجغرافية والعوائق الثقافية.
أحد هؤلاء المغاربة الذين تحدثت إليهم جريدة هسبريس الإلكترونية هو إسماعيل كرم، مغربي ثلاثيني متزوج ويعيش في مدينة “يكاترينبورغ” منذ أكثر من عقد من الزمن، إذ قال:
“قدِمتُ إلى روسيا في البداية من أجل الدراسة والحصول على دبلوم، ثم العودة إلى المغرب لاحقًا، غير أنني أُعجبت بهذا البلد كثيرًا، وقررت الاستقرار فيه والزواج من مواطنة روسية”.
وأضاف: “في البداية، حين قدومي إلى هنا، واجهت صعوبة في التواصل مع الروس بسبب عائق اللغة والثقافة المختلفة أيضًا. فلم يكن هذا البلد في وقت من الأوقات ضمن الوجهات المفضلة للطلبة المغاربة، الذين كانوا يفضلون الدول الغربية، خصوصًا فرنسا، بسبب سهولة التواصل ووجود جالية مغربية هناك؛ عكس ما هو عليه الحال اليوم، حيث أصبحت روسيا تجذب العديد من الطلاب الأجانب، لا سيما بعد أن أصبحت أكثر انفتاحًا وتطورًا من ذي قبل”.
وتابع المتحدث ذاته: “الروس لم يكونوا يعرفون المغرب حتى، وكانوا يظنون أننا من دولة في أمريكا اللاتينية. بل كانوا، في وقت من الأوقات، لا يتفهمون وجود مغاربة في مدن غير موسكو وسانت بطرسبرغ؛ إذ كان نادرًا أن تجد مغربيًا في روسيا. أما اليوم، فالوضع تغيّر، إذ يوجد العديد من الطلبة، إلى جانب عدد من المغاربة والأجانب الذين تزوجوا بروسيات وقرروا الاستقرار هنا”.
وردًّا على سؤال للجريدة حول الأسباب التي جعلته يتخذ قرار الزواج من روسية، أوضح المتحدث ذاته أن “الروس يحبون بلدهم كما يقدسون مؤسسة العائلة، تمامًا مثلنا في المغرب، عكس الدول الغربية التي تشهد تحوّلًا مخيفًا في مفهوم الأسرة واندثار الأسرة التقليدية المكونة من أب وأم وأطفال. وهذا ما شجّعني كثيرًا. كما أن الحكومة الروسية نفسها تشجع على الزواج والاستقرار من أجل رفع معدل المواليد”.
وأكد المغربي المقيم في روسيا أن “أساس أي زواج مختلط ناجح هو الحب والاحترام المتبادل والتفاهم، وكذلك تجاهل بعض الاختلافات الثقافية البسيطة التي لا يمكن أن تؤثر على استمرارية الأسرة. لأنه، في نهاية المطاف، أنا أعيش في بلد غير بلدي، وبالتالي لا يمكنني أن أفرض على شريكة الحياة أن تكون نسخة مطابقة لي، فلكلٍّ ثقافته”، مشيرًا إلى أن “التكيف مع طبيعة الطقس الروسي أمر صعب للغاية في البداية، غير أن معرفة إدارة الوقت تشكّل عاملًا حاسمًا في تجاوز هذا الإشكال”.
وشدّد المتحدث ذاته على أن “روسيا شهدت تغيرًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، فهي ليست ذلك البلد الذي يروّج له الإعلام الغربي، بل هي دولة متقدمة جدًا في مجالات عدة، خصوصًا الطب والهندسة، إذ إن المنظومة الصحية الروسية أفضل بكثير من نظيراتها في بعض الدول الغربية، كألمانيا على سبيل المثال. وهذا ما يساعد، هو الآخر، على الاندماج والاستقرار هنا، إضافة إلى توفّر الدولة الروسية على اقتصاد قوي وفرص عمل كثيرة، ثم انخفاض تكاليف المعيشة وارتفاع الرواتب، وهي كلها عوامل جاذبة تشجّع الكثيرين على الزواج والاستقرار في هذا البلد”.