في تصريح أثار موجة من الجدل في الأوساط الاقتصادية والسياسية بالولايات المتحدة، أطلق الملياردير بيل أكمان، أحد أبرز المستثمرين وداعمي الرئيس دونالد ترامب في حملته الانتخابية لعام 2024، تحذيرًا صارخًا من أن أمريكا تتجه نحو "شتاء اقتصادي مدمر" نتيجة سياساتها الاقتصادية الأخيرة.
جاء هذا التحذير ردًا على قرار ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة في أبريل 2025، بعد عودته إلى البيت الأبيض، مما أشعل مخاوف من تبعات قد تهز الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
أكمان، الذي يدير شركة "بيرشينج سكوير كابيتال مانجمنت" ويمتلك ثروة تقدر بنحو 4.3 مليار دولار وفقًا لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات، عبّر عن قلقه عبر منصة X، مشيرًا إلى أن هذه السياسة قد تكون "خطأً كارثيًا" يهدد الاستقرار الذي يعتمد عليه المستثمرون، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال.
أصل الأزمة: عودة الحمائية الاقتصادية
بعد تنصيبه في يناير 2025، أعاد ترامب إحياء نهجه الحمائي الذي اشتهر به في ولايته الأولى، معلنًا في 3 أبريل عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات الصينية و10% على بضائع الدول الأخرى. الهدف المعلن هو حماية الصناعات المحلية، تقليص العجز التجاري، واستعادة الوظائف الأمريكية تحت شعار "أمريكا أولًا".
وفقًا لتقرير نشرته "بي بي سي" في 5 أبريل 2025، استند ترامب إلى وعود انتخابية بفرض رسوم تصل إلى 60% على البضائع الصينية و20% على الواردات العالمية، لكنه خفف هذه النسب بعد ضغوط داخلية من فريقه الاقتصادي. مع ذلك، أثار القرار ردود فعل متضاربة؛ فبينما احتفى به أنصار ترامب في الولايات الصناعية مثل أوهايو وبنسلفانيا، حذر خبراء ومستثمرون من أنه قد يشعل أزمة اقتصادية.
في غضون ساعات من الإعلان، شهدت بورصة "وول ستريت" انخفاضًا حادًا بقيمة 2.5 تريليون دولار، وتراجعت قيمة الدولار، فيما أعلنت دول مثل الصين والاتحاد الأوروبي عن نيتها للرد بتعريفات مضادة، مما ينذر بحرب تجارية شاملة.
صرخة أكمان: تهديد للثقة الاقتصادية
بيل أكمان، الذي اشتهر بمراهناته الاستثمارية الجريئة مثل كسب مليار دولار من انهيار سوق السندات في 2020، لم يكتفِ بمجرد الانتقاد العابر. في منشور مطول على منصة X في 7 أبريل 2025، كتب: "نحن نصنع شتاءً اقتصاديًا مدمرًا بأيدينا. الرسوم الجمركية تهدم الثقة التي تعتمد عليها الأسواق، وستدفع أمريكا ثمنًا باهظًا".
أكمان، الذي دعم ترامب خلال الانتخابات بتبرعات تجاوزت 5 ملايين دولار وفقًا لسجلات لجنة الانتخابات الفيدرالية، أشار إلى أن هذه السياسة تخالف التوقعات التي دفعته لدعم ترامب، محذرًا من أن ارتفاع أسعار السلع سيضرب الأسر ذات الدخل المنخفض التي شكلت العمود الفقري لقاعدته الشعبية.
كما وجه انتقادات لاذعة لوزير التجارة هوارد لوتنيك، متهمًا إياه باستغلال الوضع لمصالحه الشخصية عبر استثماراته في السندات طويلة الأجل، واصفًا ذلك بـ"صراع المصالح المدمر".
التداعيات الفورية والتحذيرات المتزايدة
لم يكن تحذير أكمان صوتًا منعزلًا. فقد أصدر بنك "جولدمان ساكس" تقريرًا في 5 أبريل 2025، رفع فيه احتمالية الركود الاقتصادي الأمريكي إلى 55%، مشيرًا إلى أن الرسوم ستؤدي إلى تضخم سريع وتقليص الاستثمارات.
ووفقًا لـ"بي بي سي"، حذرت دراسة من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي من أن هذه التعريفات قد تكلف الأسر الأمريكية متوسطة الدخل ما يصل إلى 1700 دولار سنويًا بسبب ارتفاع أسعار السلع مثل الإلكترونيات والملابس. كما حذر رئيس الاحتياطي الفيدرالي من أن التضخم الناتج عن الرسوم قد يضطر البنك لرفع أسعار الفائدة بشكل حاد، مما سيضاعف الأعباء على الشركات والأفراد.
في الوقت نفسه، بدأت شركات مثل "وولمارت" و"تيسلا" في تخزين البضائع تحسبًا لارتفاع التكاليف، مما يعكس حالة القلق في القطاع الخاص.
على المستوى الدولي، أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطط لفرض رسوم مضادة على المنتجات الأمريكية مثل السيارات والمنتجات الزراعية بقيمة 20 مليار دولار، بينما هددت الصين باستهداف شركات التكنولوجيا الأمريكية مثل "آبل" و"مايكروسوفت".
وأشارت "بي بي سي" إلى أن هذه الخطوة قد تعيد إلى الأذهان حرب الرسوم في 2018-2019، لكن بتكلفة أكبر، حيث تتزامن مع ارتفاع أسعار الطاقة وضعف الاقتصاد العالمي بعد سنوات من التعافي من جائحة كورونا.
دفاع ترامب وانقسام المؤيدين
ردت إدارة ترامب على الانتقادات بتأكيد أن الاضطرابات الحالية "مرحلية"، وأن الرسوم ستعزز الاقتصاد على المدى الطويل. في خطاب متلفز في 6 أبريل 2025، قال ترامب: "سنستعيد ثروتنا من الصين وأوروبا، وسنصبح أغنى وأقوى من أي وقت مضى"، مشيرًا إلى أن التعريفات قد تجلب 800 مليار دولار سنويًا إلى الخزينة.
وزير الخارجية ماركو روبيو دعم هذا الموقف، قائلًا إن "الأسواق تتكيف دائمًا مع التغيير"، مستشهدًا بارتفاع أسهم الشركات الصناعية الأمريكية مثل "يو إس ستيل" بنسبة 8% بعد الإعلان. لكن هذه التصريحات لم تهدئ مخاوف المستثمرين، حيث واصلت الأسواق نزيفها، وسط تقارير عن تراجع الثقة بين الشركات الأمريكية الكبرى.
ما يزيد الوضع تعقيدًا هو الانقسام بين داعمي ترامب. فبينما يرى أنصاره في القطاع الصناعي أن الرسوم خطوة ضرورية لمواجهة الصين، يعتبرها آخرون، مثل أكمان، مخاطرة غير محسوبة تهدد المكاسب الاقتصادية التي حققتها إدارته في السابق. هذا الانقسام يعكس توترًا متزايدًا بين أجندة ترامب الشعبوية ومصالح النخبة المالية التي دعمته.
المخاطر الاقتصادية: بين الحماية والانهيار
من الناحية النظرية، قد تحقق الرسوم الجمركية بعض الأهداف، مثل دعم صناعات الصلب والسيارات الأمريكية، التي شهدت تراجعًا في العقود الأخيرة بسبب المنافسة الآسيوية. لكن المخاطر تبدو أكثر وضوحًا.
وفقًا لتقديرات "بي بي سي" المستندة إلى تحليلات اقتصادية، قد تؤدي الرسوم إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 5-10%، مما سيقلص القوة الشرائية للمستهلكين ويزيد التضخم. كما أن الشركات قد تلجأ إلى نقل إنتاجها إلى دول مثل الهند أو فيتنام بدلًا من العودة إلى أمريكا، مما يحبط الهدف الأصلي.
الاقتصادي لورانس سامرز، في مقال بـ"بلومبرغ" في 6 أبريل 2025، حذر من أن "الرسوم قد تكون الدافع وراء ركود عالمي، خاصة مع تصاعد التوترات الجيوسياسية".
وأشار إلى أن العجز التجاري الأمريكي، الذي بلغ 950 مليار دولار في 2024، مرتبط أكثر بالإنفاق الحكومي المرتفع وقلة الادخار الداخلي، وليس فقط بالواردات، مما يجعل فعالية الرسوم موضع شك.
أكمان: من الدعم إلى المعارضة
موقف أكمان يكتسب أهمية خاصة بسبب تاريخه كداعم لترامب. خلال حملة 2024، لم يكتفِ بالتبرعات المالية، بل أشاد علنًا بسياسات ترامب في خفض الضرائب وتقليص التنظيمات، معتبرًا إياها "محفزًا للنمو". لكن الرسوم الجمركية بدت كخط أحمر بالنسبة له.
في منشور آخر على منصة X، دعا أكمان الشركات إلى "الحماية من العاصفة القادمة"، محذرًا من أن "الثقة التي بناها ترامب مع مجتمع الأعمال تتبخر بسرعة". هذا التحول يكشف عن تصدع في تحالف ترامب مع وول ستريت، حيث يرى أكمان أن استقرار الأسواق أولوية تفوق أي اعتبارات سياسية.
نحو المستقبل: أزمة أم فرصة؟
تحذير بيل أكمان يضع أمريكا أمام مفترق طرق: هل ستحقق سياسة ترامب رؤيته لاقتصاد قوي ومستقل، أم أنها ستجر البلاد إلى أزمة اقتصادية كما يتوقع أكمان؟ الإجابة تعتمد على تطور ردود الأفعال الدولية واستجابة الأسواق في الأشهر المقبلة.
لكن ما هو واضح أن هذه السياسة ستترك أثرًا عميقًا، سواء كانت نجاحًا للحمائية أو درسًا قاسيًا في المخاطر الاقتصادية.
في الوقت الراهن، تظل الأنظار متجهة إلى واشنطن ووول ستريت، حيث يتشكل مصير الاقتصاد الأمريكي وسط عاصفة من الجدل والتكهنات.