أطلق جيمس كارفيل، المستشار السياسي للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، مقولته الشهيرة: “اعتدت أن أعتقد أنه إذا كان هناك تناسخ للأرواح فإني كنت أريد العودة كرئيس أو البابا أو لاعب بيسبول سجل 400 ضربة؛ لكن أود الآن العودة في صورة سوق سندات، حيث يمكنك أن تروع الجميع”.
وقال ديزموند لاكمان، وهو زميل بارز في معهد أميركان إنتربرايز، وشغل سابقا منصب نائب مدير في إدارة تطوير ومراجعة السياسات بصندوق النقد الدولي، وكبير الإستراتيجيين الاقتصاديين للأسواق الناشئة في شركة سالومون سميث بارني، إنه لو كان كارفيل شهد رد فعل سوق الأسهم العنيف يوم الخميس الماضي على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الرسوم على الواردات في “يوم التحرير” فربما يريد الآن أن يعود في صورة سوق أسهم.
وأضاف لاكمان، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست”، أنها ربما مسألة وقت فقط قبل أن يرغم انهيار أسواق الأسهم الجاري الآن الرئيس ترامب على إجراء تحول كامل محرج سياسيا في سياسة الرسوم لوقف نزيف الأسواق.
وإذا كانت الأسواق رفضت في أي وقت مضى إعلانا بشأن سياسة اقتصادية لكان الأبرز تراجع سوق الأسهم بنسبة 5% يوم الخميس الماضي كرد فعل على مبادرة ترامب بشأن الرسوم على الواردات التي أعلنها في حديقة الورود بالبيت الأبيض.
وكان ذلك أكبر تراجع للأسهم في يوم واحد منذ جائحة كوفيد -19. وفي حين أن ترامب ربما اعتقد أن إعلانه الخاص بالرسوم على الواردات بالمثل سوف يجلب فترة من الازدهار الاقتصادي منقطع النظير ونموا سريعا للتوظيف في قطاع التصنيع فمن الواضح أن لسوق الأسهم رأي غير ذلك.
وبدلا من اقتصاد العصر الذهبي الذي كان في ذهن ترامب بدا السوق يخشى خطر الجمع المخيف لكساد عالمي مقترن بارتفاع تضخم الأسعار.
وتابع لاكمان: “للأسف هناك أسباب كثيرة للاعتقاد بأن السوق على صواب في أن يخشى الركود التضخمي. ويتمثل أحد الأسباب في أن فرض رسوم على الواردات على الكثير من شركائنا التجاريين الرئيسيين سوف يزيد بشكل كبير تكاليف إنتاج شركات مثل أبل ونايك التي تستخدم مدخلات من تلك الدول في عملياتها الخاصة بالتصنيع”.
وربما يُقال الأمر نفسه على الرسوم السابقة بنسبة 25% على الصلب والألومنيوم التي سوف تزيد بشكل كبير تكاليف إنتاج الكثير من الشركات التي تحتاج إلى مدخلات كثيرة مصنعة من الصلب والألومنيوم.
وأردف المتحدث ذاته: “هناك سبب آخر لجعل السوق يخشى ركودا محليا يتمثل في أنه من المؤكد أن يؤدي الإجراء العنيف الذي اتخذه ترامب إلى انتقام من جانب شركائنا التجاريين. وبعض شركائنا مثل كندا والصين والاتحاد الأوروبي أشاروا بالفعل إلى أنهم يعتزمون تطبيق إجراءات انتقامية”.
وأوضح لاكمان: “من المرجح أن تستهدف تلك الإجراءات أجزاء حساسة سياسيا من قطاعنا الخاص بالتصدير، وليس أقلها المركز الزراعي للبلاد. وبالتالي قد يدفعنا ذلك إلى طريق سياسات إفقار الجار التي كانت مدمرة اقتصاديا في حقبة ثلاثينيات القرن الماضي إذا رد ترامب على تلك الإجراءات الانتقامية بالمثل”.
ومن المرجح أيضا أن تؤدي إجراءات ترامب الخاصة بالرسوم إلى تعقيد مهمة مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) المتمثلة في خفض التضخم إلى النسبة المستهدفة التي تبلغ 2%. وتشير تقديرات وول ستريت إلى أن الرسوم التي فرضها ترامب قد ترفع مؤشر أسعار المستهلك تقريبا بنسبة 5%، بينما يحذر المحللون في قطاع السيارات من أن الرسوم قد تتسبب في رفع أسعار السيارات بعدة آلاف من الدولارات.
وأي قفزة في الأسعار ستجعل من الصعب على مجلس الاحتياطي الفيدرالي استئناف دورته الخاصة بخفض الفائدة في أي وقت قريب.
وأضاف لاكمان أن هناك سببا وجيها أيضا للاعتقاد بأن إجراء ترامب الخاص بالرسوم سوف يتسبب في حدوث ركود لدى عدد من الشركاء التجاريين، وبأن الشيء الأخير الذي كان يحتاجه اقتصاد صيني يتصارع مع انفجار فقاعة في سوق العقارات هو رسوم واردات أمريكية بنسبة 54%.
كما أن الاقتصادين الكندي والمكسيكي المعتمدين بكثافة على الصادرات لم يكونا في حاجة إلى رسوم بنسبة 25% على الواردات من الدولة التي تشكل قرابة 80 % من صادراتهما. وربما يُقال الأمر نفسه على الاقتصاد الألماني الذي يعاني بالفعل من ركود منذ عامين.
ويبدو أنه لم يغب عن أذهان المشاركين في السوق أن 30% من إجمالي عائدات مؤشر ستاندار آند بورز 500 مصدرها الخارج؛ وهذا يعني أن ركودا اقتصاديا في الخارج سوف يقضي على الدخل الصافي لتلك الشركات.
كما لم يغب عن السوق أن الطريقة الفوضوية التي ينتهج بها ترامب السياسة التجارية تتسبب في تراجع مقلق في ثقة المستهلك والأسرة. ويواصل ترامب التأكيد على أن لديه قدرة تحمل عالية للألم الاقتصادي المؤقت لكي يجرى التغييرات الأساسية التي يعتقد أنها ضرورية للنمو الاقتصادي على المدى الطويل .
غير أنه من المشكوك فيه أن ترامب سوف يتمالك أعصابه لفترة طويلة إذا واصل السوق استنزاف تريلونات من الدولارات من ثروة الأسر.
واختتم لاكمان تقريره بالقول: “يتعين علينا أن نأمل أن يعيد السيد ترامب في القريب العاجل بشكل كامل السياسة التجارية إلى ما كانت عليه قبل أن يوجه انهيار سوق الأسم نفسه ضربة مؤلمة لاقتصاد الولايات المتحدة”.