يُعد الوصول إلى تقنية توفر الكهرباء من خلال مصادر متجددة حلمًا كثيرًا ما سعت مصر لتحقيقه وسط أزمات الطاقة وتزايد الطلب المحلي.
ووفقًا لتصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) ضمن حوار أجرته مؤخرًا مع عضو المجلس الاستشاري لرئيس الجمهورية لشؤون الطاقة ومستشار الطاقة العالمي الدكتور هاني النقراشي، ظهرت الطاقة الشمسية الحرارية بوصفها أحد أبرز الحلول لتغيير مشهد الطاقة المصري؛ إذ لا تقتصر فقط على إنتاج الكهرباء نهارًا، بل تمتلك القدرة على توفيرها ليلًا أيضًا، من خلال آليات تخزين مبتكرة تُحسن كفاءة التوليد وتقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وخلال وقت تشهد فيه البلاد تحديات تتعلق باستقرار الشبكة الكهربائية وتذبذب إمدادات الغاز، تطرح هذه التقنية نفسها، مع وفرة ضوء الشمس طوال العام، بوصفها حلًا عمليًا وإستراتيجيًا، يجمع بين الجدوى الاقتصادية، والاستدامة البيئية، والقدرة على التوطين الصناعي.
وبخلاف الأنظمة الكهروضوئية التقليدية، تعتمد الطاقة الشمسية الحرارية على مبدأ التخزين الحراري؛ ما يجعلها أكثر مرونة وكفاءة في التعامل مع أوقات الذروة والاحتياج الليلي.
وتنطلق رؤية النقراشي من قناعة راسخة بأن التحول نحو الطاقة الشمسية الحرارية ضرورة وطنية وليست ترفًا تقنيًا؛ إذ يرى أن مستقبل الطاقة في مصر لا بد أن يُبنَى بأيدٍ مصرية، اعتمادًا على نموذج محلي يعزز من قدرات الدولة الصناعية ويخفض تكلفة الإنتاج على المدى الطويل.
ويؤكد أن الإستراتيجية المثلى تعتمد على توزيع المحطات الشمسية قرب مراكز الطلب، لا في أعماق الصحراء فقط، بما يتيح تقليص الفاقد الكهربائي، ويقلل من الحاجة إلى خطوط نقل مكلفة.
وفي هذا السياق، يُطرح التساؤل: "هل ستُمثّل الطاقة الشمسية الحرارية تقنية توفر الكهرباء طال انتظارها في مصر؟".
الطاقة الشمسية الحرارية
تعتمد الطاقة الشمسية الحرارية على تجميع أشعة الشمس لتسخين سوائل خاصة، تُستَعمل لاحقًا لإنتاج البخار الذي يدير التوربينات ويولد الكهرباء.
ويميز هذه التقنية إمكان تخزين الحرارة باستعمال مواد مثل الأملاح المنصهرة؛ ما يسمح بتوليد الكهرباء حتى في أوقات غياب الشمس، وهو ما لا تستطيع الطاقة الشمسية الكهروضوئية تحقيقه دون بطاريات باهظة الثمن.
وتؤدي هذه التقنية دورًا محوريًا في استقرار الشبكة؛ نظرًا إلى اعتمادها على التوربينات، بعكس الخلايا الكهروضوئية التي تُحدث تذبذبًا في الأحمال؛ إذ يُعد هذا أحد الأسباب التي دفعت الدكتور هاني النقراشي لاقتراح مشروع خُميسة، الذي يضم 5 محطات شمسية مترابطة، كل منها بقدرة 50 ميغاواط، وتُزود بوحدة طوارئ تعمل بالغاز النباتي.

ويُحقق هذا النموذج وفورات قد تصل إلى تريليون دولار بحلول 2050، مقارنةً باستمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري، وذلك بفضل الانخفاض الكبير في تكلفة التشغيل والاستغناء عن واردات الغاز أو الوقود السائل.
كما لا يتطلب هذا النظام بنى تحتية معقّدة، بل يمكن تصنيعه محليًا بسهولة؛ ما يرفع من نسبة التصنيع المحلي إلى 100% في بعض المكونات.
وتتعدد تقنيات الطاقة الشمسية الحرارية المُستعملة عالميًا، مثل تقنية البرج المركزي، والمرايا المكافئة، والمرايا المسطحة، وتُعد الأخيرة هي الأنسب لمصر؛ لأنها أسهل في الصيانة، وأكثر توافقًا مع البيئة الرملية، ويمكن تصنيعها محليًا دون الحاجة إلى استيراد تقنيات معقّدة.

الطاقة الشمسية الكهروضوئية
رغم أن الطاقة الشمسية الكهروضوئية تعد الأكثر شيوعًا عالميًا، بفضل بساطتها وسهولة تركيبها؛ فإنها تفتقر إلى القدرة على توفير الكهرباء ليلًا، كما يتطلب تخزين الكهرباء المنتَجة من خلالها بطاريات مرتفعة التكلفة، تبلغ أحيانًا 3 أضعاف تكلفة التوليد؛ ما يقلل من جدواها الاقتصادية في بيئة مثل مصر.
في المقابل، تتيح الطاقة الشمسية الحرارية توليد الكهرباء على مدار الساعة، وبتكلفة لا تتجاوز 4.3 سنتًا للكيلوواط/ساعة، بل قد تصل إلى سنت واحد فقط ضمن مشروع "خُميسة"؛ أي أقل من تكلفة التوليد بالوقود الأحفوري بنسبة 30%.
وتجدر الإشارة إلى أن الطاقة الكهروضوئية لا تزال تحتل مكانة في السوق المصرية والعالمية، ولا سيما في المناطق التي يصعب فيها إنشاء محطات حرارية، لكنها تظل محدودة من ناحية التكامل مع الشبكة عند غياب الإشعاع الشمسي.

توطين صناعة الطاقة الشمسية الحرارية
يُعد إسهام الطاقة الشمسية الحرارية في توطين الصناعة وخلق وظائف جديدة جانبًا مهمًا في هذه التقنية؛ فبدلًا من الاعتماد على استيراد الألواح الكهروضوئية أو البطاريات، يمكن تصنيع مكونات المحطات الحرارية داخل مصر؛ ما يوفر العملة الأجنبية ويخلق سلسلة إنتاج محلية متكاملة.
كما تتيح هذه التقنية فرصًا لتوسيع مجالات استعمالها، مثل تحلية مياه البحر أو إنتاج الهيدروجين الأخضر، ولا سيما في المواقع الساحلية، وبذلك، لا تقتصر الفائدة على توليد الكهرباء فحسب، بل تمتد إلى دعم قطاعات إستراتيجية أخرى.
إمكانات الطاقة الشمسية الحرارية في مصر
يمنح موقع مصر بين خطي عرض 20 و30 إشعاعًا شمسيًا شبه دائم، بمتوسط 360 يومًا مشمسًا سنويًا، ما يجعلها من أفضل الدول عالميًا لتطبيق تقنية توفر الكهرباء باستعمال الطاقة الشمسية الحرارية.
ويرى خبراء أنه يمكن تحقيق استقلال طاقوي حقيقي إذا ما استُغلت الصحراء الشرقية والغربية لإنشاء محطات قريبة من الكتل السكنية.

ويتطلب تنفيذ هذه الرؤية تغييرًا في التفكير، وتخليًا عن الحلول التقليدية التي تُركّز على محطات ضخمة بعيدة تحتاج إلى شبكات نقل معقدة، كما هو الحال في محطة بنبان، والبديل عن ذلك، هو التخطيط المحلي الذكي الذي يربط إنتاج الكهرباء بالاستهلاك المباشر.
وعلى ذلك؛ فإن تقنية توفر الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية الحرارية لا تمثل فقط حلًا لأزمة كهرباء آنية، بل هي مسار إستراتيجي نحو مستقبل مستدام وذكي للكهرباء في مصر، يضمن الاستقرار الاقتصادي والسيادة الطاقوية، ويوفر فرص عمل حقيقية في قطاعات الصناعة والخدمات.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر..