قال عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية، إن مشاركة المغرب كضيف شرف في معرض الكتاب بباريس لسنة 2025 تكتسي رمزية قوية تتجاوز بعدها الثقافي، لتندرج في سياق سياسي واستراتيجي يعكس دفئا جديدا في العلاقات المغربية الفرنسية، بعد اعتراف باريس بمغربية الصحراء، وتوقيع شراكات استراتيجية متجددة، وافتتاح مركز ثقافي فرنسي في الأقاليم الجنوبية. هذا الحضور يعكس انخراطا مغربيا وازنا في الفعل الثقافي الدولي، وتقديرا متبادلا بين البلدين.
وأضاف بوصوف ضمن مقال توصلت به هسبريس، بعنوان: “سفراء تمغرابيت.. كتاب جماعي لمغاربة العالم”، إن ما يميز المشاركة المغربية هو تنوع النخب الثقافية والفكرية الحاضرة، من كتّاب وفنانين ومؤثرين، سواء من المقيمين بفرنسا أو بالمغرب، والذين يكتبون باللغة الفرنسية أو ينتمون للتيار الفرانكفوني، إذ يعبرون عن تجارب إنسانية متعددة تنطلق من المغرب وتعود إليه، بغض النظر عن التصنيفات الأدبية، كما أن حضورهم يثري المشهد الثقافي الفرنسي ويعزز قيم التعايش والانفتاح، باعتبارهم صلة وصل بين ثقافتين.
ويرى بوصوف أنه، إلى جانب الحضور الفكري، يبرز الدور الحيوي لمغاربة العالم في الترويج لصورة المغرب عبر الإعلام والفن والرياضة وصناعة المحتوى، حيث يواصلون حمل راية “تمغرابيت” بكل فخر، ويساهمون في الدبلوماسية الثقافية الشعبية. ومن ثمة، فإن هذا الزخم يستدعي دعما مؤسساتيا أكبر، كإحداث وكالة ثقافية خاصة بمغاربة العالم، لترسيخ ثقافة الاعتراف والاحتفاء بالمواهب المغربية في المهجر، باعتبارها جزءا أصيلا من المشروع التنموي الوطني.
نص المقال:
حضور المغرب كضيف شرف في معرض الكتاب بباريس، في أبريل الجاري، ليس بسابقة؛ بل هو الثاني بعد نسخة سنة 2017.. لكن سياقات نسخة 2025 تجعله حضورا بخصوصيات ودلالات عديدة؛ أقواها أنها جاءت بعد الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، وزيارة الدولة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتوقيع جيل جديد من عقود الشراكات الاستراتيجية، ثم افتتاح مركز ثقافي فرنسي بالأقاليم الصحراوية من لدن السيدة رشيدة داتي، وزيرة الثقافة الفرنسية التي أعلنت عن هذا الحدث الثقافي / التاريخي..
الجميل في المشاركة المغربية هي أنها شملت كتّابا وأقلاما ووجوها فكرية ومدنية تمثل تيارات فكرية وإيديولوجية عديدة، سواء تلك المقيمة بفرنسا أو المقيمة بالمغرب؛ لكنها بصفة أو بأخرى فهي تكتب وتنتج باللغة الفرنسية أو التيار الفرانكفوني.. وهي أسماء وقامات أدبية وفكرية ليست في حاجة إلى تعريف، كما أنه ليس مهما التدقيق في توصيف أو تحديد جنس إنتاجها الأدبي والفكري بين “أدب المهجر” أو “الكولونيالي” أو غير ذلك… لأنها تمثل تجارب شخصية وسرديات أحلام وانكسارات وآمال وآلام العديد منهم ومنهن، قد نتفق مع بعضها وقد نختلف… لكنها تقف كلها عند نقطة البدء والمنطلق، أي المغرب.. إذ لا يزال الوطن يسكن رواياتهم وأشعارهم، وما زالت العادات والتقاليد وذكريات طفولتهم وأسفارهم هي مادة اشتغالهم، وهم في ذلك سيان سواء تعلق الأمر بالكتاب الذين ازدادوا في المغرب ثم عاشوا في المهجر، أو أولئك الذين ازدادوا في بلاد المهجر واستحقوا بذلك جوائز أدبية مرموقة سواء في فرنسا أو بلجيكا أو الكيبيك أو غيرها…
لكنه من الضروري التذكير بوجود كتاب مغاربة حافظوا على فصاحة لسانهم العربي بالمهجر، سواء كإعلاميين أو كتاب مرموقين.
كما أنه ضروري التأكيد على دور هؤلاء الكتاب والمفكرين والإعلاميين المغاربة في الضفة الأخرى في بناء جسور التعايش بين مختلف الثقافات وتأثيث الذاكرة الجماعية بالمهجر بتجارب رائعة ورائدة في مجالات عديدة؛ على رأسها فن العيش والتعايش مع الآخر وتقبل اختلاف ذلك الآخر.
إننا نفخر بالعديد من الإعلاميين من مغاربة العالم، وبحضورهم القوي وأدائهم المهني وبإتقانهم للغات عديدة؛ فقد راكموا خبرات إعلامية كبيرة، وهم أيضا جسور ثقافية مهمة ونموذج العمل الدؤوب والاجتهاد..
لائحة طويلة من الفنانين والرياضيين الذين نقرأ أسماءهم بكل افتخار على شاشات التلفزيون ومنصات الإعلام، إذ رفعوا راية الوطن عاليا وساهموا بقوة في التأهيل إلى دور نصف النهاية في مونديال قطر 2022 كإنجاز رياضي غير مسبوق، وساهموا بقوة في تسويق اسم المغرب الرياضي الشغوف بكرة القدم ويستحق أن ينظم كأس العالم..
ولائحة أخرى من المؤثرين وصناع المحتوى والجمعيات من مغاربة العالم يبذلون جهودا كبيرة في الدفاع عن المقدسات الوطنية والترابية ويقدمون قراءات تاريخية بلغات بلدان إقامتهم للرأسمال اللامادي المغربي سواء تعلق الأمر بالزليج أو القفطان أو الطبخ أو الفخار والمعمار المغربي..
فكل تلك الفئات والشخصيات هم بحق “سفراء تمغرابيت” في بلدان إقامتهم، يقدمون صورة المغرب بالخارج في أبهى حلة.. المغرب المجتهد الطموح المتفاني والمتفائل.
وأمام كل هذه الإنجازات الوطنية والإنسانية والإشادات الملكية المتعددة في أكثر من خطاب سامٍ بالدور القوي لمغاربة العالم في الدفاع عن المقدسات الوطنية والمساهمة في التنمية؛ فإن كل ما قمنا به من دراسات حول الإعلاميين والشعراء والأدباء والمفكرين والرياضيين وأعمال الترجمة للعديد من الروايات والسير الذاتية والدواوين الشعرية لمغاربة العالم يجب أن يكون مقدمة لمجهودات أكبر وأقوى لفائدة فئة وصفها ملك البلاد بـ”الفئة العزيزة”، وإرهاصات الإعلان عن “وكالة ثقافية” طالبنا بها منذ زمن وأقرها النموذج التنموي الجديد… قد يجد فيها الكتّاب والموهوبون بعض ضالتهم…
لذلك، فإن مشاركة مغاربة فرنسا، كتابا وفنانين وروائيين، في معرض الكتاب بباريس هو دعم لمستقبل مشترك ولشراكات استراتيجية بين بلدهم الأصلي (المغرب) وبلد الاستقبال (فرنسا) من جهة، وإغناء الحضور النوعي لكتاب وموهوبين مغاربة بالمهجر من جهة ثانية، وتوثيق شهادات ومسارات إنسانية ضمن جنس “أدب المهجر” من جهة ثالثة… كما أن الاحتفاء والاحتفال بمغاربة العالم في معرض الكتاب بالرباط هذه السنة هو ترسيخ لثقافة الاعتراف لمغاربة تميزوا في بلدان الاستقبال في مجالات الفكر والإبداع والفنون.. ويوقعون في كل يوم صفحة جديدة من “الحلم المغربي” في كتاب جماعي… سفراء تمغرابيت.