أخبار عاجلة

الصمغ العربي وتمويل آلة الحرب في السودان

الصمغ العربي وتمويل آلة الحرب في السودان
الصمغ العربي وتمويل آلة الحرب في السودان

كيف تحول الصمغ العربي من شريان اقتصادي لتمويل شراء البنادق

الخميس 10 ابريل 2025 | 10:08 مساءً

هشام العطيفي

مع انفصال جنوب السودان قبل نحو 14 عاماً واستحواذها على ثلاثة أرباع احتياطيات النفط في البلاد قبل الانفصال، سعى السودان لإيجاد مصادر بديلة للدخل، في بلد يمتد على مساحة شاسعة تقارب الـ 2 مليون متر مربع، ويمتلك حدودا مع 7 دول إضافة إلى شواطئ ممتدة على البحر الأحمر، ليأتي الصمغ العربي كواحد من أهم أدوات الخرطوم لتعزيز مصادر دخلها.

ويُعد الصمغ العربي نوعا من الصمغ الطبيعي، فهو عبارة عن عصارة مجففة عديمة الطعم والرائحة، وتستخدم كمثبت أو مستحلب في العديد من الأطعمة والمشروبات ومستحضرات التجميل وكذلك العقاقير الطبية والحلويات.

ويُستخرج من أشجار الأكاسيا (السنط) التي تنمو بمناطق السافانا في السودان ضمن الحزام الصحراوي الممتد من الحدود الغربية مع تشاد إلى حدودها الشرقية مع إثيوبيا عبر 13 ولاية من ولايات السودان الـ18، ويضم عدة أنواع مختلفة أهمها (الهشاب والطلحة).

ما أهمية الصمغ العربي في اقتصاد السودان؟

وقبل التساؤل عن أهمية الصمغ العربي في اقتصاد السودان، فبحسب «مذكرة عن سياسات تسويق وصادرات الصمغ العربي بالسودان» صادرة عن البنك الدولي في 2007، فقد بلغت صادرات السودان عام 1967 ما يعادل 52 ألف طن من أصل 65 ألف طن استخدمت على مستوى العالم، وعلى الرغم من تَغير النسب هبوطا وصعودا مع توالي السنوات، إلا أن الخرطوم ظلت تحتفظ بإنتاج 80% من تجارة الصمغ العالمية حتى اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في 2023، كأكبر منتج للصمغ العربي عالميا.

ويُنتج الصمغ العربي بواسطة المنتجين الصغار في مناطق الزراعة المطرية التقليدية، والتي يُمثل سكانها حوالي 20% من سكان السودان، حيث يعمل في هذا القطاع أكثر من 5 ملايين نسمة، ويحتل حزامه في السودان مساحة تبلغ 500 ألف كيلومتر، وبلغت قيمة صادراته في 2022، نحو 183 مليون دولار، ما وضعه ضمن قائمة أكبر 10 صادرات في البلاد بوجه عام.

وعلى الرغم من الثروة الحيوية التي يمتلكها السودان، إلا أن عمليات التهريب المستمرة باتجاه دول الجوار كأفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وجنوب السودان -تزايدت بشكل ملحوظ منذ اندلاع الحرب-، تسببت في عائد يُعد «زهيدا للغاية» في الموازنة العامة، حيث لا يتعدى 3.4% من الناتج المحلي.

ولإدراك الأهمية الحقيقية التي يُمثلها الصمغ العربي للأسواق العالمية، فقد أعفته الولايات المتحدة من العقوبات التي فرضتها على السودان في 1997، بسبب ما تردد من مزاعم عن رعاية الخرطوم للإرهاب، وضمن سياق خلافات الإدارة الأميركية مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير، حيث سمحت بتصديره بتسهيلات كبيرة، خاصة وأنه يدخل في أكثر من 180 صناعة عالمية، في مقدمتها الصناعات الغذائية والدوائية والكيميائية، إضافة لصناعة الزجاج والأحبار والألوان وغيرها من المنتجات.

أزمة التسويق والاحتكار

وفي حين تشير إحصائيات بنك السودان المركزي، إلى أن عائدات تصدير الصمغ العربي، منذ 2009، لم تتجاوز أكثر من 350 مليون دولار سنويا حتى مطلع العقد الثالث من الألفية الجديدة، فإن البلاد تعاني أزمة على مستوى تسويق أهم منتجاتها، خاصة في ظل احتكار شركة الصمغ العربي (GAC) لتصدير الصمغ العربي الخام.

ويُصدَّر الصمغ العربي المُنظَّف، الذي يُشكِّل الجزء الأكبر من صادرات شركة الصمغ العربي، في الغالب عن طريق وكلاء الشركة الدوليين، حيث يشتري أربعة من هؤلاء الوكلاء ما يُقدَّر بنحو 70% من صادرات الشركة بأسعار زهيدة لا تتجاوز الـ 3000 دولار للطن الواحد، في حين يصل سعره عالميا لـ17 ألف دولار؛ على أن يتولوا نقله إلى أوروبا والولايات المتحدة.

يأتي ذلك في الوقت الذي توجد معظم مرافق تخزين الصمغ العربي في الخرطوم، وكذلك في مدينة أم درمان احدى ثالوث العاصمة السودانية، وهما نقطتان محوريتان في الصراع الذي اندلع بالسودان منتصف أبريل/نيسان 2023، والذي صادف نهاية عمليات حصاد الصمغ والتحضير لعمليات التصدير، حيث يبدأ موسم «طق الصمغ» أي حصاده في نوفمبر/تشرين الثاني وينتهي منتصف أبريل/نيسان من كل عام.

الصمغ العربي وآلة الحرب

الحرب التي بدأت بالخرطوم وامتدت إلى ولايات كردفان ودارفور، وألقت بظلالها على السودان أجمع، كان لها أثراً بالغاً على الصمغ العربي، بعدما سيطر الدعم السريع بداية الحرب على غالبية العاصمة السودانية بمدنها الثلاث، حيث تقع معظم مرافق تخزين الصمغ، في حين حَالت الاشتباكات في الوصول للصمغ العربي المُنتج في أم روابة بولاية شمال كردفان والدمازين بولاية النيل الأزرق، وبدأت عمليات التهريب تأخذ حيزا أكبر، وسط صعوبة وصول الشحنات إلى ميناء بورتسودان حيث تُصدر من هناك.

ومع استمرار الحرب، تحولت تجارة الصمغ العربي الذي يعد مكونا أساسيا في مشروبات عالمية مثل «كوكاكولا» وحلوى «إم آند إمز»، إلى مصدر هام لتمويل آلة الحرب، حيث كشفت آخر الإحصائيات عن وصول قيمة صادرات السودان من الصمغ العربي لمستوى 147.4 مليون دولار في 2023، في الوقت الذي بلغت نسبة التهريب 40% من إنتاج البلاد.

وبحسب عضو مجلس الصمغ العربي مصطفى السيد الخليل، فقد فرض الدعم السريع الذي تنتشر قواته في الطرق رئيسية المؤدية إلى أهم مناطق إنتاج الصمغ في البلاد بولاية شمال كردفان، رسوما على شحنات الصمغ العربي تقدر بـ مليون جنيه سوداني على الشحنة الواحدة (500 دولار).

وفي حين تقع أغلب غابات الصمغ العربي في مناطق الاشتباكات، فإن الجزء الأكبر من الصمغ، يمر حاليا عبر مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، لتصديره من خلال منافذ برية في الحدود مع دولتي تشاد ومصر، بالإضافة إلى وصول جزء من الصادر إلى بورتسودان على البحر الأحمر شرقا، بعد رحلة طويلة ومكلفة للغاية، تستحوذ فيها الجماعات المسلحة على نصيب الأسد كرسوم عبور وتأمين.

مصدر رئيسي لتمويل طرفي الحرب

ووفقا لصحيفة «وول ستريت جورنال» فقد أصبح الصمغ العربي، مصدراً رئيسياً لتمويل طرفي الحرب، حيث تتحكم قوات الدعم السريع في 3 من إجمالي 4 طرق رئيسية مؤدية إلى مدينة الأبيض -واحدة من معاقل الصمغ العربي بالبلاد-، مشيرة إلى أن تجار الصمغ العربي باتوا يدفعون ما بين 60 و100 دولار لمقاتلي قوات الدعم السريع، في الوقت الذي يخاطر التجار الذين يرفضون الدفع، بخسارة بضائعهم ومركباتهم.

وعلى الناحية الثانية، يفرض الجيش السوداني، الذي يدير البلاد فعلياً بحسب الصحيفة، ضرائب ورسوماً أخرى على تجارة الصمغ، في الوقت الذي تقول شركة Nexira الفرنسية، التي تمتلك 40% من سوق الصمغ العربي العالمية، إن هناك عملية «ابتزاز» تجري على الطرقات المؤدية لمعاقل إنتاج الصمغ العربي بالسودان.

وبعيدا عن رسوم الجباية التي يفرضها طرفي الحرب بالسودان، فقد كشف تجار عن انضمام العديد من الشباب الذين كانوا يعملون في العادة في حصاد الصمغ إلى القتال، بينما تَملك آخرين الخوف إلى الحد الذي جعلهم يلزمون بيوتهم، ولا يخرجون للعمل بأشجار الصمغ كعادتهم السنوات الماضية.

تهريب الصمغ العربي لدول الجوار

تجار يعملون في قطاع الصمغ العربي، كشفوا مؤخرا عن تزايد عمليات تهريبه في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، في كردفان ودارفور غرب السودان.

ووفق ما ذكرته وكالة «رويتر»"، وبشهادات 8 منتجين ومشترين، فإن المنتج بات يجد طريقه إلى دول مجاورة عبر تجار من السودان، في مقابل رسوم تُدفع لقوات الدعم السريع دون الحصول على شهادة اعتماد تتعلق بالاستدامة والممارسات الأخلاقية، في الوقت الذي بدأ الصمغ العربي المرتبط بالدعم السريع، في الظهور منذ أواخر العام الماضي في سوقين غير رسميتين على الحدود بين ولاية غرب كردفان السودانية وجنوب السودان.

ويقول هيرفي كانيفيه، خبير التسويق العالمي لدى شركة إيكو أجري العاملة في تجارة المكونات المستخلصة من الأغذية، إن إمدادات الصمغ في الطبيعي يصعب تحديد مصدرها نظرا لأن العديد من التجار لا يفصحون عما إذا كان المنتج جرى تهريبه، إلا أن جميع إمدادات الصمغ السوداني حاليا مهربة؛ نظرا لعدم وجود سلطة حقيقة هناك.

إلى ذلك، يقول محمد حسين سورج، مؤسس شركة يونيتي للصمغ العربي التي تتخذ من الخرطوم مقرا لها، وفر إلى مصر في 2023، إن قوات الدعم السريع استولت على إمداداته من الصمغ بالكامل، وحاليا يقوم بعض التجار بجمع الصمغ من أصحاب الأراضي السودانيين، ويبيعونه في سوقين غير رسميين، لتجار من جنوب السودان مقابل مدفوعات بالدولار، وفي حماية عناصر الدعم السريع التي تحصل على نسبتها.

كذلك، أفاد مشترون بأن قوات الدعم السريع تنقل الصمغ العربي إلى جمهورية أفريقيا الوسطى عبر مدينة أم دافوق السودانية الواقعة على الحدود معها، في حين تذهب بعض الكميات باتجاه تشاد، وكذلك يجري تصديره مؤخرا عبر مومباسا في كينيا وجوبا عاصمة جنوب السودان.

ومؤخرا، ومع انتصارات الجيش على الدعم السريع، وإعلان وزارة الزراعة السودانية تصدير أولى دفعات الصمغ العربي من ميناء بورتسودان، بعد فك الحصار عن ولاية شمال كردفان، فإن تجارة الصمغ العربي لا تزال خارج نطاق استفادة السودانيين، لاسيما وأن كل طرف يستغلها لتعزيز قدراته العسكرية وموارد إنفاقه، فمتى يعود الصمغ العربي في السودان لأصحابه؟.

اقرأ ايضا

إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق اعرف مواعيد وسعر تذكرة قطار "النزهة" خلال احتفالات شم النسيم
التالى محلل سياسي لبناني: عون لم يُسئ للعراق.. بل طرح رؤية وطنية لدمج القوى وتعزيز الدولة (خاص