من هو هاورد لوتنيك أبرز داعمي ترمب في “وول ستريت”؟
عندما أقلعت طائرة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، من ناشفيل صوب الشمال في رحلةٍ أواخر يوليو، كان ضمن ركابها أحد مليارديرات “وول ستريت” يسافر كي يسدي صديقه ترمب صنيعاً، وقد جلس على مقعد مكسو بجلد رملي اللون. ذلك الرجل هو هاورد لوتنيك.
لقد زارا ولاية تينيسي في يوم السبت ذاك بغرض الترويج لاستثمارات عالية المخاطر على أمل أن يجنيا منها مكاسب كبيرة، وهي العملات المشفرة. ثم استقلا الطائرة المعروفة باسم “ترمب فورس وان” وهي من طراز “بوينغ 757″، إلى مينيسوتا حيث كان ترمب يزمع أن يمارس نشاطه المفضل: إلقاء الخطب على جمهور يهتف له.
بعد هبوط الطائرة، توجها إلى حلبة هوكي في مدينة سانت كلاود، على بعد حوالي 100 كيلومتر من مينيابوليس، واعتلى لوتنيك المنصة فيما كانت تصدح أغنية (Thunderstruck) لفرقة (AC/DC) من مكبرات الصوت، وصاح بحماس وهو يلوّح بقبضته: “إن هذا لمكان رائع! هيا بنا!”
فيما يشتد الاستقطاب في الولايات المتحدة مع دنو الانتخابات الرئاسية، برز لوتنيك، الرئيس التنفيذي لشركة “كانتور فيتزجيرالد” (Cantor Fitzgerald) منذ أمد طويل، كأحد أهم داعمي ترمب في “وول ستريت”.
ينهمك لوتنيك، 63 عاماً، بين هامبتونز شرقاً ومدن وسط الولايات المتحدة، ساعياً لجذب المانحين واستكشاف الفرص وإعداد الخطط دفعاً لعودة ترمب إلى السلطة، وفقاً لأكثر من عشرة أشخاص مطلعين على نشاطه، وقد طلب معظمهم عدم كشف هوياتهم نظراً لخصوصية المناقشات.
لوتنيك، الذي ظهر فيما مضى ضيفاً في برنامج ترمب (Celebrity Apprentice)، يؤدي اليوم دوراً محورياً في شبكة المال والنفوذ المحيطة بالرئيس السابق يفوق دور أي مدير تنفيذي آخر في “وول ستريت”، وقد عزز مكانته ضمن هذه المنظومة المدرّة للربح التي تلتف حول ترمب وأنصاره في حركة “فلنُعد لأميركا عظمتها”.
بعد ستة أيام من عودة لوتنيك من مينيسوتا، أقام حفلاً لجمع التبرعات لصالح ترمب في محلته التي تمتد على مساحة 160 ألف متر مربع في منطقة بريدج هامبتون الراقية في لونغ آيلند، وكانت الحصيلة 15 مليون دولار.
وخلال أسبوعين على ذلك جعله ترمب شريكاً في قيادة الفريق الانتقالي في مسعى العودة إلى البيت الأبيض، ما يعني أنه سيعمل مع ثرية أخرى من أصدقاء ترمب، هي ليندا مكمان، التي كانت رئيسة شركة في عالم المصارعة للمحترفين، وكذلك روبرت كينيدي جونيور، وعضو الكونغرس السابقة عن الحزب الديمقراطي تولسي غابارد، للمساهمة في اختيار المرشحين المحتملين للإدارة المقبلة وإعداد خطط السياسات، بما يشمل تشديد قوانين الهجرة.
وصف بريان هيوز، مستشار حملة ترمب، لوتنيك بأنه “أحد أنجح رجال الأعمال والخبراء الماليين في البلاد”، مشيداً بدعمه لإسرائيل وخبرته في مجال العملات المشفرة. وأضاف في بيان عبر البريد الإلكتروني أن ترمب ممتن “لدعمه وصداقته”.
في بارك أفينيو، حيث مقرّ “كانتور فيتزجيرالد”، وهي مجموعة عدد منسوبيها حول العالم نحو 13000 وتنشط في مجالات الاستثمار المصرفي والتداول والوساطة وإدارة الأصول، يتساءل الموظفون عن مستقبل رئيسهم التنفيذي إن فاز ترمب.
يتكهن من يعرفون لوتنيك أنه قد يُعيّن على رأس سفارة الولايات المتحدة في القدس، فيما يرى آخرون أن خبرته التي تمتد لأربعة عقود في “وول ستريت” تؤهله لمنصب وزاري، بل حتى أن يكون وزيراً للخزانة (رغم أن آخرين نصحوا بمنح هذه الحقيبة إلى سكوت بيسنت أو جون بولسون، وهما يديران صناديق تحوط). وقال لوتنيك في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ في يوليو: “إن دعاك الرئيس للخدمة، فعليك أن تقبل”. لكنه رفض التعليق لدى إعداد هذا التقرير.
تغري وعود ترمب بخفض الضرائب على الأثرياء وتخفيف القيود الناظمة الكثير من قادة قطاع المال، حتى ممن قد نأوا عنه بعد أحداث اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021. ونبّه أشخاص يعرفون لوتنيك ان المسائل المؤثرة على مكاسب الأثرياء، بخاصة مسألة الضريبة على الدخل الشخصي وضرائب الأرباح الرأسمالية، تأتي في مقدمة اهتماماته.
لكن حلفاء ومنتقدي لوتنيك يرون فيه جانباً آخر أيضاً، إذ يعتبرونه مثيلاً لترمب في “وول ستريت”. فعلى مرّ عقود كان نخبة أقطاب المصارف يمتعضون من لوتنيك، تماماً كما كان حال مجتمع مانهاتن الراقي مع ترمب. فكلاهما يعتبر دخيلاً يمكن تحمّل وجوده لكن لا يمكن قبوله حقاً، كما يُنظر إليهما كرجلي مبيعات متبجحين وصانعي صفقات لا يعرفان الهوادة ويلتزمان مقولة عُرفت عن ترمب بوجوب رد المضرة أضعافاً مضاعفة.
ترمب، ابن كوينز، صنع لنفسه اسماً كبيراً انطلاقاً من شركة عائلته العقارية، ثمّ عبر تلفزيون الواقع. أما لوتنيك، الذي نشأ في منطقة جيريكو في لونغ آيلند، فقد صارع وصولاً لقيادة “كانتور فيتزجيرالد” في 1991، بعد أقل من عقد على انضمامه إليها حين تخرج من الجامعة. رغم بروز شركته كوسيطة لسندات الخزانة الأميركية، إلا أنها تفتقر إلى الألق الذي يصاحب أسماء مثل “غولدمان ساكس” أو “مورغان ستانلي”.
يصرّ لوتنيك على أنه ليس في منافسة مع هذه البنوك. وقال في مقابلة مع بلومبرغ نيوز في فبراير: “هذا ليس مجالي، أنا مختلف… إذا حاولت أن تكون شيئاً لست عليه، فهذا شأنك، أما أنا فأعرف من أكون”.
كما يُعرف لوتنيك بحدة طبعه وشدة تركيزه على التفاصيل، ويستعين بعشرات المحامين لإعداد الصفقات ومنع الموظفين من تسريب الأسرار التجارية للمنافسين أو الإساءة لشركته.
تلقى لوتنيك اهتماماً واسعاً بعد مقتل 658 من موظفي “كانتور فيتزجيرالد” كان بينهم شقيقه غاري في اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية على برجي التجارة العالمية.
لم تكن النيران قد خمدت في موقع البرجين حين تباهى ترمب بأن ناطحة السحاب التي يملكها في 40 وول ستريت أصبحت أطول أبراج مانهاتن السفلى (وهو ادعاء غير صحيح). ثمّ زعم الرجل الذي أصبح لاحقاً رئيساً للولايات المتحدة أنه شاهد ألوفاً من المسلمين في نيوجرسي يحتفلون بانهيار البرجين، وهو ادعاء سقط أيضاً عند محاولة التحقق من الوقائع.
لكن يبدو أن خطاب ترمب حول “الإرهاب الإسلامي المتطرف” ومساعيه للحد من دخول مواطني الدول ذات الأغلبية المسلمة لاقت صدى لدى لوتنيك، الذي قال في خطابه في مينيسوتا: “أنا أفهم الجهاد… نحن بحاجة إلى دونالد جيه ترمب لسحق الجهاد”.
أعاد لوتنيك بناء شركته بعد اعتداءات 11 سبتمبر، وأصبح مليارديراً لكن نشاطه خمد لفترة بعد تشخيص إصابته باللمفوما اللاهودجكينية عام 2021، غير أنه عاد اليوم بعد تعافيه من هذا السرطان إلى سابق نشاطه، الذي يكاد يكون على مدار الساعة، وفقاً لأشخاص يعرفونه وأشاروا إلى أنه دائم السعي للتفوّق.
كثيراً ما يعود إلى مكتبه حوالي التاسعة والنصف ليلاً بعد أن يتناول العشاء مع أسرته في منزلهم في أبر إيست سايد، وهو يتوقع من المديرين التنفيذيين لديه أن يجيبوه إن طلبهم في هذا الوقت المتأخر.
ويتبرع لوتنيك بسخاء للجمعيات الخيرية، فهو أكبر متبرع في تاريخ جامعته، كلية هافيرفورد في بنسلفانيا. كما أصبح من أبرز المساهمين في حملة ترمب، إذ قدم نحو 11 مليون دولار للمرشح الجمهوري وللجان العمل السياسي المرتبطة به خلال العام الماضي، وفق أشخاص مطلعين.
كما هو حال رجال الأعمال الآخرين المؤيدين لترمب، استغل لوتنيك قربه من السلطة لتحقيق مصالح له ولشركته. كانت “كانتور فيتزجيرالد”، وهي إحدى أكبر شركات وول ستريت التي ما تزال غير مدرجة، لاعباً أساسياً في مجال شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، أو شركات “الشيك على بياض” التي حققت شعبية كبيرة قبل بضع سنوات.
في 2022، استخدمت “كانتور” شركة استحواذ ذات أغراض خاصة لتقود موقع “رامبل” (Rumble) اليميني المدعوم من جيه دي فانس، مرشح ترمب لمنصب نائب الرئيس، إلى بورصة ناسداك وتقاضت أتعاباً عن ذلك. (انخفض سهم “رامبل” بأكثر من النصف منذئذ، وتقدر قيمة الشركة الآن بنحو 1.6 مليار دولار).
كما قدمت “كانتور” استشارات لشركة ناشئة يديرها أوميد مالك، الذي يقول إنه يعطي الأولوية للشركات “الوطنية” ومنها شركات الأسلحة النارية. واستثمرت أيضاً في شركة إدارة الأصول “سترايف إنتربرايزز” (Strive Enterprises)، التي يملكها مؤلف كتاب “Woke Inc” فيفيك راماسوامي، وهو ذو شعبية في أوساط حركة “فلنُعد لأميركا عظمتها”. ووصف راماسوامي هجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول بأنه “عمل من الداخل”، وأعلن تأييده لترمب بعدما انسحب من سباق 2024 للترشح عن الحزب الجمهوري.