هل تثق بالذكاء الاصطناعي لانتقاء الأسهم؟
تعرف إلى منتقي الأسهم الجدد، فسيذكرونك بنظرائهم القدامى.
تُعد المنتجات الاستثمارية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي إحدى الأمور الجديرة بالمتابعة خلال العام المقبل، حيث إن هناك ضجة كبيرة في “وول ستريت” بشأن تولي الذكاء الاصطناعي مهام مديري صناديق الاستثمار الحقيقيين، إذ يرجح أن يجيد انتقاء الأسهم بشكل أفضل.
لا يمكن أن يسوء الوضع عما هو عليه، فمرتان كل عام تظهر نتائج تقرير المقارنة بين أداء مؤشرات “إس آند بي” وصناديق الاستثمار النشطة، الذي تصدره “إس آند بي غلوبال” ويعرف باسم “سبيفا” (SPIVA)، أن معظم مديري الاستثمار النشطين حققوا بشكل ثابت أداءً دون المستوى مقارنة بمؤشر السوق واسع النطاق خلال أغلب الفترات. ورغم أن التقرير لا يشمل صناديق التحوط، إلا أن أداءها لم يكن أفضل بأي حال.
دخل الذكاء الاصطناعي إلى المجال مصحوباً بالأمل في تحقيق ما يعجز عنه المديرون البشر، إلا أن هذا لن يحدث قريباً. فبدايةً، إجمالي ما يجنيه منتقو الأسهم في النهاية هو عائد السوق مخصوماً منه الرسوم، على النحو الذي طالما ذكر به مؤسس “فانغارد غروب”(Vanguard Group) الراحل جون بوغل المستثمرين، وينطبق ذلك على البشر والروبوتات على حد سواء، لذلك، فإن الروبوتات مقدر لها الخسارة بشكل عام.
بالطبع سيحقق بعضها أداءً أفضل من السوق، لكن أغلبها لن يحقق هامشاً كبيراً بما يكفي لتجاوز الرسوم، فيمكن التعلم من خبرة منتقي الأسهم الحقيقيين.
تم إحصاء أكثر من 7000 صندوق استثمار في الأسهم نشط الإدارة، حيث احتسبت شركة “مورنينغ ستار” العائدات المعدلة وفق المخاطر لها مقارنة بالسوق على مدى السنوات العشر الماضية، ورغم أن نحو 45% منها حققت مكاسب قبل احتساب الرسوم، اقتصرت المكاسب على 27% بعد خصم الرسوم.
هناك تحدٍ آخر أمام الذكاء الاصطناعي يتمثل في المنافسة من الروبوتات الأخرى، فالواقع أن زمن منتقي الأسهم البشر قد ولى، فهناك عدد كبير من الصناديق المتداولة منخفضة التكلفة التي تعمل على محاكاة استراتيجيات انتقاء الأسهم التقليدية، مثل القيمة والجودة والزخم، وفق قواعد محددة في الأغلب، فضلاً عن نهج التحليل الكمي الذي تنفذه الحواسيب بشكل رئيسي. ومثل المديرين البشر، لا تحقق دوماً أداءً أفضل من السوق، لكن الفرصة في ذلك أكبر أمام مديري الصناديق الأقل تكلفة.
لذلك، يتوجب على الذكاء الاصطناعي التفوق على استراتيجيات انتقاء الأسهم التقليدية للحفاظ على أهميته في هذا المجال. وسيتعين عليه ابتكار أساليب جديدة لتحقيق أداء أفضل من السوق. ربما يفعل، لكن ذلك قد لا يساعد المستثمرين بالضرورة، حيث سيضطرون إلى استخدام الاستراتيجية منخفضة الاحتمالات نفسها التي يستخدمونها دوماً مع مديري الصناديق، وهي انتقاء الأسهم التي ستحقق مكاسب مسبقاً.
غير أن القول أسهل من الفعل، إذ إن توقع أن يحقق أي من منتقي الأسهم أداءً أفضل من السوق أمر شبه مستحيل. فلا يملك المديرون الجدد سجل نجاح يقدمونه، ومن لديهم ذلك لا يكسبون باستمرار.
حتى لو أثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على تحقيق مكاسب بشكل أكثر استمراراً، فسرعان ما ستقبل أعداد كبيرة من المستثمرين على أفضل الصناديق ويحدون من قدرتها، ما سيدفعها إلى رفض مستثمرين جدد.
وسيكون البديل الوحيد حينها هو تخمين أي من نماذج الذكاء الاصطناعي سيكون منتقي الأسهم الأفضل، وبالنسبة لمعظم المستثمرين سيكون الأمر مجرد تخمين نظراً للغموض الذي يلف الذكاء الاصطناعي. وهذه طريقة غير مقبولة للاستثمار.
ربما لا يحقق الذكاء الاصطناعي منفعة أكبر للمستثمرين، لكنه نعمة بالنسبة إلى “وول ستريت”، حيث تراجعت أرباح البنوك وشركات التمويل الكبرى نتيجة عدم الحصول على أي عمولات، كما تراجعت أرباح صناديق المؤشرات منخفضة التكلفة، والمستشارين الآليين.
تجاوباً مع ذلك، علق العديد منهم آمال المستثمرين في تحقيق أرباح كبيرة على “البدائل” الأعلى تكلفة، وتتمثل بشكل رئيسي في صناديق التحوط، والملكية الخاصة، ورأس المال الجريء. إلا أن سعي مليارات الدولارات وراء عدد أقل من اللازم من فرص الاستثمار، ألقى بظله على هذه البدائل في الفترة الحالية، ما أدى إلى تراجع الأداء. لذلك يوفر الذكاء الاصطناعي مصدراً جديداً للوعود والإيرادات.
سيتحمس عدد كبير من المستثمرين. وإذا كان هناك أي شك، فإن تطور قطاع الصناديق المتداولة خير مثال، حيث بدأ نشاطه قبل 3 عقود بصندوق يتتبع مؤشر “إس آند بي 500″، وتحول الآن إلى مجال كبير مليء بالرهانات يضم آلاف الصناديق يُرجح أن تستخدم رافعة مالية مرتفعة أو تراهن على انخفاض شريحة ضئيلة من السوق، مثلما يفعل أي صندوق مؤشر منخفض التكلفة.
بينما تبلغ نسبة النفقات في صندوق “إس آند بي 500” المتداول الأول 0.09%، يتجاوز متوسط ما تتقاضاه الصناديق المتداولة هذه النسبة بستة أضعاف، وهناك عدد قليل منها سيتفوق على أداء صندوق “إس آند بي 500” العملاق بمرور الوقت.
الأمر لا يقتصر على قطاع الصناديق المتداولة، ففي ما يخص المال، جلبت التكنولوجيا مساوئ تتجاوز المنافع، حيث يراهن المستثمرون الشباب على العملات المشفرة، والسياسة، وأسهم شركات “الميم”، و تجني منصات التداول بسببهم أرباحاً طائلة.
إن تشجيع الناس على الادخار بانتظام والاستثمار في صناديق المؤشرات منخفضة التكلفة سيحقق قدراً أقل من الأرباح. فما المسار المتوقع الذي سيسلكه الذكاء الاصطناعي؟
قد يحقق الذكاء الاصطناعي منفعة وحيدة للمستثمرين في المؤشرات، فربما لن يضطروا إلى الاستماع لثرثرة منتقي الأسهم عن كيف تقلل صناديق المؤشرات من كفاءة السوق وتؤدي إلى أخطاء في تسعير الأسهم.
قريباً سيقدم الذكاء الاصطناعي عدداً كبيراً من الروبوتات التي بمقدورها إلقاء نظرة فاحصة على القوائم المالية وتحديد أسعار الأسهم، ويُرجح أن تقوم بذلك بمعدل أسرع وشكل أدق من المحللين، ويُفترض أن يمكن ذلك المستثمرين المتعقلين من امتلاك صناديق مؤشرات خاصة في هدوء واطمئنان.
لا يُعد هذا انتقاداً للذكاء الاصطناعي بشكل عام، فلا شك لديّ أنه سيكون له تأثير كبير في قطاعات عديدة، وأثق بالقدر نفسه أن مديري الصناديق الذين سيستفيدون من الذكاء الاصطناعي سيحققون أرباحاً، سواء تفوق أداؤهم على السوق أو لا. لكنني أشك أن يحقق المستثمرون الذين يدفعون مبالغ كبيرة نظير المحاولة ذات القدر من المكاسب.