تكتل على غرار “أوبك” لقطاع الطاقة الشمسية لن يكتب له النجاح
كيف تتعامل مع قطاع طاقة يواجه أول تباطؤ بعد عقود من النمو السريع؟ ظهرت الإجابة عن هذا السؤال في مجال النفط عام 1960، بإنشاء تكتل للمنتجين باسم منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”. ويسعى قطاع الطاقة الشمسية إلى محاكاة هذه الاستراتيجية، وسط تحديات النمو التي يواجهها هذا العام.
وقعت أكثر من 30 شركة صينية منتجة للطاقة الشمسية اتفاقاً على غرار “أوبك” خلال اجتماع اتحاد القطاع السنوي الذي أقيم الأسبوع الماضي، وحُددت للمصنعين حصصٌ بناءً على قدرتهم الإنتاجية الحالية وتوقعات الطلب في السوق.
قد توفر هذه الخطوة قدراً من الطمأنينة في ظل الأوضاع التي تعرضت لها الشركات العام الماضي، إذ أدى فائض الإنتاج إلى انخفاض أسعار ألواح الطاقة الشمسية والمواد الخام المستخدمة لإنتاجها إلى أقل من التكلفة بفارق كبير، ودفعت الأزمة أكبر 4 شركات صينية مصنعة لألواح الطاقة الشمسية إلى توقع خسائر بقيمة 7.7 مليار يوان (1.06 مليار دولار) هذا العام.
أوجه التشابه بين المجالين مثيرة للاهتمام، فرغم أن قطاع الطاقة الشمسية في الصين يزود الاقتصاد العالمي بإمدادات الطاقة النافعة مثلما تفعل أكبر الدول المنتجة للنفط، إلا أنه يقترب من نقطة التحول التي واجهتها “أوبك” بعد عقد من تأسيسها تقريباً، فمنذ عام 1900 حتى أزمة النفط في 1973 ارتفع إنتاج الخام بمتوسط 7.2% سنوياً، ثم انخفض إلى 0.9% سنوياً منذ ذلك الحين.
يواجه قطاع الطاقة الشمسية تباطؤاً مشابهاً رغم الفارق الكبير في معدلات نمو الإنتاج في البداية، فخلال السنوات الخمس المنتهية في 2013، ارتفع معدل توليد الكهرباء من ألواح الطاقة الشمسية إلى نحو 62%، وانخفض إلى 23% خلال الأعوام الخمسة الماضية، وحتى السيناريوهات المتفائلة التي تشير إلى أن نمو القطاع سيفوق المعدل اللازم لتحقيق صافي انبعاثات صفري تتوقع استمرار التراجع إلى نحو 10% خلال السنوات المتبقية من هذا العقد.
فضلاً عن ذلك، ورغم كل الانتقادات التي وُجهت إليها، هناك دليل واضح على نجاح “أوبك”، التي استُخدمت كسلاح خلال أزمة 1973، في تحقيق أهدافها، فخلال مئة سنة ما بين .1874 و1974، قلما تجاوز سعر النفط 40 دولاراً للبرميل، بعد تعديل التضخم وفق الأسعار في 2023، بشكل مستمر. وفي الخمسين عاماً التالية، نادراً ما انخفض سعر الخام عن هذا المستوى. لقد شهدنا تحولاً دائماً في سعر النفط، حقق مكاسب لا حد لها للدول الأعضاء في “أوبك”. فما وجه اعتراضك إذا كنت من منتجي ألواح الطاقة الشمسية؟
تكمن المشكلة التي تواجه “لونجي غرين إنرجي تكنولوجي” و”ترينا سولار” و”تونغوي” وغيرها من الشركات في وجود اختلافات جوهرية بين إنتاج النفط وألواح الطاقة الشمسية، ما سيجعل مضاهاة نجاح “أوبك” أكثر صعوبة.
يتمثل أحد العوامل في عنصر القدر، حيث أعرب مؤيدو تحول الطاقة عن إحباطهم الشهر الماضي عندما قال رئيس أذربيجان المستبد إلهام علييف في قمة المناخ “كوب 29” إن النفط “هبة من الله”. مع ذلك، فإنه لم يكن مخطئاً، إذ إن الرواسب المعدنية هي هبة جيولوجية طبيعية لا يمكن للعبقرية البشرية الابتكارية التحكم فيها.
فمهما بلغ حجم المعرفة، سيعجز في أن يمكن اليابان من إنتاج النفط بنفس التكلفة المنخفضة في السعودية، بل حتى المعجزة المالية والتقنية في انتعاش النفط الصخري في الولايات المتحدة لم تنجح إلا في الكشف عن جزء من احتياطيات الخام مرتفعة التكلفة نسبياً في بلد تمثل محور القطاع لأكثر من قرن.
يفرض هذا القدر الجيولوجي بعد الانضباط على أطراف التكتل، فكل أعضاء “أوبك” يدركون أن تكلفة الإنتاج في السعودية هي الأقل على مستوى العالم، لذلك بمقدورها إغراق الأسواق والقضاء على المنافسة في أي وقت.
وبوجه مشابه، يعلم الجميع أن ميزانية الرياض الضخمة تعني أن تكاليفها الكلية لن تتمكن من تحمل هذه المجازفة لفترة أطول مما يجب، فإذا كانت تكلفة استخراج برميل من الخام 3.19 دولار، فإن تمويل إنفاق الدولة الضخم يقتضي إضافة 93 دولاراً إلى هذه التكلفة. وهذا المزيج الذي يجمع بين القوة والضعف يفرض قدراً من الانضباط على الدولة العضو في “أوبك”.
أما التصنيع فهو أمر مختلف، إذ يشكل الابتكار العامل الحاسم، وأحد أسباب ذلك هو وجود فائض في القدرة الإنتاجية في الفترة الحالية لدرجة أننا في خضم انتقال بين معيارين لألواح الطاقة الشمسية، “الخلايا ذات الباعث المُخمّل” (بيرك) (PERC) و”خلايا التلامس المُخمّل بأكسيد النفق”(توبكون) (TopCON)، كما يُحتمل أننا نقترب من تقنية متطورة أخرى تُعرف باسم “التوصيل غير المتجانس” (HJT).
تستديم المزايا الجيولوجية، بينما يمكن أن تنتهي المزايا التقنية خلال أعوام قليلة، مثلما يؤدي البحث والتطوير إلى التوقف عن استخدام أحدث المنتجات تطوراً في العقد الماضي. فألواح الطاقة الشمسية في نهاية المطاف هي أشباه موصلات، وتكفي رؤية تغير أوضاع “إنتل” و”إنفيديا” و”تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ” لإدراك قلة وسائل الحفاظ على التميز الدائم في ذلك القطاع.
وأخيراً، هناك حقيقة أن “أوبك” تحالف دبلوماسي متوازن بسبب اختلاف المصالح الوطنية للدول الأعضاء، بينما اقتصر تصنيع ألواح الطاقة الشمسية في 2024 بأكمله تقريباً على شركات صينية.
إذا أرادت الصين قطاع طاقة شمسية مستقراً ومربحاً، ستمكّن الشركات من تشكيل تحالف (مثلما فعلت في سوق الفحم المحلية في 2015 بعد أعوام من النمو المفرط)، مع ذلك، فإذا كانت تسعى لتحقيق نمو أكبر في الطاقة النظيفة، فستقضي على أي محاولة للحد من الفوضى التي أضرت بشكل كبير بشركات الطاقة الشمسية، إلا أنها أفادت القطاع ككل.