اللواء الفضلي.. قيمة ضائعة بين الإهمال والنسيان
كتب/ ماهر البرشاء
وجّه لي اللواء الدكتور ناصر الفضلى الفضلي هذا المساء دعوة للقاء به في مقر إقامته الحالي بالعاصمة عدن، عقب عودته من مصر بعد إقامة مراسم العزاء في وفاة والده، الشيخ المناضل محسن أحمد الفضلي الذي توفي قبل عدة أيام.
دخلت المجلس الذي يجلس فيه اللواء ناصر الفضلي، فوجدت العديد من القيادات العسكرية القديمة، وقيادات المقاومة الجنوبية، وبعض من صنعتهم الفرصة بعد حرب 2015م.
سلمت على الجميع وجلست بجوار اللواء ناصر الفضلي، الذي هنأني على صدور كتابي الأول (طريقي إلى الصحافة)، مثمنًا الجهود التي بذلتها لإصدار هذا الكتاب، واعتبره إنجازًا ليس لي وحدي، بل لمحافظة أبين بشكل عام، حسب تعبيره.
تجاذبنا أطراف الحديث عن الأوضاع العامة وما تشهده اليمن من مآسٍ، وعن الوضع في الجنوب بشكل خاص.
قلت للواء ناصر: “كيف ترى الوضع العام الذي نعيشه منذ سنوات؟”
فرد قائلاً: “الوضع مؤلم يا ولدي، وحالة الناس ساءت وتفاقمت بشكل كبير، ولم نكن نتصور أن نصل يومًا إلى ما نحن عليه الآن.”
سألته: “أنت مناضل جنوبي وأحد قادة الحراك الجنوبي والمقاومة، كيف ترى عدن اليوم؟”
قال: “وضع عدن يُبكي يا ولدي، وهي بحاجة إلى أن نتكاتف جميعنا للنهوض بها.”
شعرت بالاستمتاع بسماع حديثه وحكمته في طرح الحلول لمختلف القضايا.
ثم سألته: “يا عم ناصر، أنت واحد من الذين تعرضوا للمطاردة والاعتقال والتعذيب من قبل النظام السابق، أين ذهب نضالك أنت وعشرات القيادات الجنوبية الشريفة، إن لم تكن بالمئات؟”
صمت قليلاً، ثم أجاب: “نحن يا ولدي لم نبحث يومًا عن منصب أو جاه، وكل ما قدمناه وما لاقيناه من مشقة وتعب كان لأجل هذا الوطن، ولقضية نؤمن بها.”
قاطعته قائلاً: “عم ناصر، أنا أتابع أخبارك أولًا بأول وأريد أن أسمع الحقيقة منك.
” قال: “تفضل يا ولدي.”
سألته: “هل تملك منزلًا في عدن أو سيارة؟”
فقال: “لا أملك منزلًا، والسيارة التي أتجول بها الآن هي لأحد الأصدقاء أعارني إياها”
قلت: “إذن هل تملك منزلًا في أبين، مسقط رأسك؟”
قال: ” نعم، ولكن للأسف مدمّر بسبب الحرب.”
سألته: “هل لديك منصب تتولى قيادته الآن؟”
فرد: ” كنت أعمل كملحق عسكري سابقًا، لكن تم إقالتي وإيقاف راتبي الذي أعيل به أسرتي.”
قلت له: “إذن، أين ذهب نضالك وتضحيتك لأجل هذا الوطن الذي تدّعي نصرته؟ هناك قيادات لا تزن حبة خردل، ومع ذلك يملكون الملايين والمنازل والسيارات على حساب هذا الوطن.”
عاد للصمت قليلًا، ثم قال: “فلتعلم يا ولدي، أن نضالنا كان لأجل حقوقكم وحريتكم، ولتعيشوا بسلام، حملنا السلاح في وجه الحوثي دفاعًا عن الدين والعرض والأرض، ولم نحلم بالمال أو الجاه.
داهمنا الوقت أثناء الحديث، واقترب موعد رحيلي، فاستأذنت منه وغادرت إلى مقر عملي، والحزن يملأ قلبي لما تعانيه هذه الهامات العظيمة التي أفنت حياتها في خدمة الوطن، وكانت له الحارس الأمين.
غادرت المجلس وأنا أتمنى أن تلتفت الدولة إلى هذه القيادات وتنصفها قبل رحيلها، فقد أشرف بعضهم على الهلاك بسبب الجوع والمعاناة، بينما لا يزال البعض الآخر، أمثال اللواء ناصر، قادرًا على العطاء وتقديم الكثير لهذا الوطن البائس وشعبه الجريح.
إنها فرصة للمجلس الرئاسي، ووزير الدفاع الفريق محسن الداعري للحفاظ على هؤلاء الأفذاذ، وتقدير تضحياتهم، ومنحهم الفرصة مرة أخرى لبذل مزيد من العطاء في سبيل خدمتنا جميعًا.
امنحوهم مراكز صنع القرار، وستشهدون العجب، فلعمري إن أحدهم أفضل من عشرين قياديًّا من قيادات اليوم، الذين لا يتجاوز دورهم حجم حبة قات أو مزّة في آخر الليل.
ماهر البرشاء.
الخميس 12 ديسمبر.