زخم الاستثمار العقاري في السعودية يتسارع وسط تحديات
تتطلع السعودية إلى تحديث شامل لبنيتها العمرانية، بما يشمل تشييد مدن جديدة وتطوير مشاريع عمرانية عملاقة، لتكون جاهزة لاستقبال الزائرين الأجانب الذين تخطط لاستضافتهم خلال السنوات القليلة المقبلة، بالإضافة لزيادة مساهمة القطاع في نمو الناتج المحلي الإجمالي، وجذب استثمارات أجنبية.
وفق “رؤية 2030” سيتم عند نهاية العقد الحالي تسليم أكثر من 660 ألف وحدة سكنية، وأكثر من 320 ألف غرفة فندقية، وأكثر من 5.3 مليون متر مربع من المساحات التجارية، وأكثر من 6.1 مليون متر مربع من الوحدات المكتبية.
هذه الخطة الطموحة قد تجعل من المملكة أكبر سوق للبناء في العالم بحلول العام 2028، حيث ستصل قيمة المشاريع تحت الإنشاء وقتها إلى 181.5 مليار دولار، بعد أن بلغت بنهاية العام الماضي 141.5 مليار دولار، حسب تقديرات “نايت فرانك” المتخصصة في الاستشارات العقارية.
كما تشير التوقعات إلى ارتفاع قيمة السوق العقارية في السعودية إلى 2.1 تريليون دولار العام الجاري، لتكون الأعلى بين أسواق البلدان العربية، بحسب بيانات “ستاتيستا”. ومن المتوقع أن ترتفع مساهمة القطاع في اقتصاد البلاد إلى 10% في 2030، وفق وكالة “ستاندرد آند بورز”.
وكان فيصل دوراني، الشريك ورئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط في “نايت فرانك”، وصف هذه المشاريع في مقابلة سابقة مع “الشرق”، بأنها “فقط رأس جبل الجليد”.
في إطار هذا الزخم، تنطلق اليوم الإثنين في الرياض، النسخة الثانية من المعرض العقاري “سيتي سكيب العالمي”، بعد أن اختتم نسخته الأولى باستثمارات بلغت 110 مليارات ريال.
تمثل الاستثمارات الحكومية قاطرة النمو للقطاع العقاري في المملكة، إذ بلغ مجموع الأموال التي خصصتها الحكومة لمشاريع التشييد والبنية التحتية خلال السنوات الثماني الماضية منذ إطلاق الرؤية عام 2016، أكثر من 1.25 تريليون دولار.
وتشمل أبرز المشروعات الكبرى قيد الإنشاء حالياً مدينة “ذا لاين” التابعة لـ”نيوم”، والقدية، ووجهات البحر الأحمر السياحية، وروشن، والدرعية.
حجم الاستثمارات الضخم دفع بمستثمرين من المنطقة والعالم إلى التهافت نحو المملكة للحصول على قطعة من هذه الكعكة، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات في البلاد، وهو ما يجعله قطاعاً مغرياً للمستثمرين من الناحية التجارية.
الاستثمارات الضخمة لهذا القطاع ليست المسبب الوحيد لهذه الفورة، إذ أقرت المملكة مجموعة من المبادرات والتسهيلات التي تهدف إلى تنمية هذا القطاع، وجذب الاستثمارات الأجنبية إليه.
من هذه المبادرات السماح بإتمام الكثير من المعاملات بشكل إلكتروني، وإقرار التعديلات على نظام ضريبة التصرفات العقارية، والتي يتوقع أن تسهم بصناعة زخم كبير في سوق العقارات بدءاً من النصف الأول من 2025، بحسب الرئيس التنفيذي لـ”منصات العقارية” خالد المبيض في مقابلة مع “الشرق”، فضلاً عن إطلاق البورصة العقارية، التي تسمح للمستخدمين بتداول العقارات عبر البيع والشراء المباشر أو من خلال العروض والطلبات الحرة، بالإضافة لخدمات الرهن، والفرز والدمج بالهوية العقارية، والبيانات، واستعراض التاريخ الكامل للعقار والعمليات التي تمّت عليه.
المطورون العقاريون من مصر كانوا من أبرز من دخلوا إلى السوق السعودية في الفترة الماضية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تعتزم شركة “حسن علام” المصرية إضافة مشاريع بقيمة نصف مليار دولار لمحفظتها في المملكة، كما تحالفت “كونكريت بلس” المصرية مع “زهران القابضة” لتنفيذ مشروع عقاري متعدد الاستخدامات باستثمارات تقدر بنحو ملياري ريال.
هذه الأسماء ليست الوحيدة التي قررت الدخول إلى السوق السعودية، إذ سبقها الملياردير المصري سميح ساويرس من خلال استثماراته الخاصة، ومجموعة “طلعت مصطفى” التي أطلقت مشروعاً شرق الرياض، وتمكنت من بيع 2500 وحدة فيه خلال 5 أشهر، و”ماونتن فيو”، و”صبور”، و”تطوير مصر”، كما تأمل شركات عدة في الدخول إلى هذه السوق في المستقبل، من بينها “مدينة مصر” التي أعلنت أنها تأمل إبرام أول عقد تطوير في المملكة بداية العام المقبل.
بالإضافة للشركات المصرية، دخلت شركات عالمية إلى السوق العقارية السعودية مؤخراً. وكمثال على ما سبق، تتعاون شركة “فلو” (Flow)، التابعة لرائد الأعمال آدم نيومان، والتي تتخذ في ميامي مقراً، مع مستثمرين محليين لتطوير وامتلاك ثلاثة مبانٍ سكنية في الرياض، والتي سيبلغ إجماليها حوالي 920 وحدة بمجرد اكتمالها. كما أنشأت الشركة كياناً لتطوير وامتلاك العقارات في البلاد، وفق ما نقلت “بلومبرغ” في سبتمبر الماضي.
وقال متحدث باسم “فلو” آنذاك: “تقدم المملكة العربية السعودية فرصة هائلة للاستثمار في مكان يتميز بالحيوية والنمو. نحن فخورون بجلب منتجنا (وحداتنا السكنية والمباني النوعية) إلى المنطقة والمساهمة في تلبية احتياج متزايد في السوق”.
وفي الشهر ذاته، وقعت “الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري” وهي إحدى الشركات التابعة لـ”صندوق الاستثمارات العامة”، مذكرة تفاهم مع شركة “بلاك روك” الأميركية، بهدف “تسريع تطوير برامج في سوق إعادة التمويل العقاري في السعودية، والتوسع عبر قنوات أسواق رأس المال المحلية والدولية، كما تسعى إلى تنويع مصادر التمويل عبر أسواق الدخل الثابت”، وفق وكالة “واس”.
كما تم توقيع شراكة بين “الشركة السعودية للضمان الإسكاني” (ضمانات) وشركتي “بلاك روك و”أبولو”، بهدف تطوير استراتيجيات وصناديق استثمارية للتمويل العقاري في المملكة، بالإضافة إلى توسيع قاعدة المستثمرين المحليين والدوليين. وأبرمت وزارة البلديات والإسكان مذكرة تفاهم أخرى مع شركة “كي هوفنانيان إم إي”، والتي أسهمت في تطوير 500 ألف وحدة سكنية في الولايات المتحدة، وذلك بهدف بناء المزيد من المجتمعات السكنية المتكاملة في المملكة.
أكد وزير الاستثمار خالد الفالح أهمية هذا القطاع بالنسبة لجذب الاستثمارات الأجنبية، إذ اعتبر أن قطاع الصناعات التحويلية بات يمثل 25% من رأس المال الأجنبي التراكمي في المملكة، مشيراً في مقابلة مع “الشرق”، إلى وجود عدة قطاعات أخرى تجذب استثمارات أجنبية كبرى، على غرار الإنشاء والتطوير العقاري، والتأمين والبنية التحتية والسياحة.
من جهة ثانية، يمثل ارتفاع الطلب على المساحات المكتبية حافزاً إضافياً للاستثمار العقاري، حيث حصلت 540 شركة متعددة الجنسيات على تراخيص لتدشين مكتبها الإقليمي في الرياض.
الزخم العقاري الذي تشهده السعودية لا يستثني الوحدات السكنية، حيث شهد النصف الأول من العام الحالي دخول 27 ألفاً و500 وحدة سكنية إلى مدينتَي الرياض وجدة، كما سيتم إضافة حوالي 16 ألف وحدة سكنية إلى المدينتين في وقت لاحق من هذا العام، حسب تقرير “جيه إل إل”.
يظهر هذا الزخم بوضوح من خلال نسبة تملك الأسر السعودية للمساكن، إذ ارتفعت بنهاية العام الماضي إلى 63.7%، متجاوزة مستهدفات “رؤية 2030” للعام ذاته، والتي كانت محددة عند 63%.
يواجه القطاع العقاري بالسعودية تحديات عدة، منها الارتفاع المستمر للأسعار نتيجة الوتيرة المتسارعة لزيادة الطلب، حيث ارتفعت أسعار بيع العقارات السكنية في الرياض خلال النصف الأول من العام بنسبة 10%، كما ارتفع متوسط الإيجارات بنسبة 9%.
يمثل تركز استثمارات القطاع الخاص على العاصمة ومعها جدة تحدياً آخر يخل بتوازن السوق، وذكرت “ماكينزي” للاستشارات في تقرير لها صدر قبل أشهر أن منطقة الرياض تستحوذ وحدها على 38% من قيمة العقود الحالية، أي ما يعادل 54 مليار دولار، تليها منطقتا مكة المكرمة وتبوك بقيمة 28.7 مليار دولار و28.5 مليار دولار على التوالي.
ويعتبر نقص المعروض من المساحات المكتبية بمواجهة الطلب المتنامي على هذا النوع من العقارات، تحدياً إضافياً أمام المستثمرين، الذين يواجهون أيضاً ارتفاعاً في تكاليف التمويل.
من جهة أخرى، تواجه شركات التطوير العقاري في السعودية تحديات أكبر من ارتفاع تكلفة التمويل الناتجة عن أسعار الفائدة القياسية، تتمثل بارتفاع أسعار الأراضي، ونقص العمالة الماهرة، وصعوبة توفر المواد الخام، بحسب فيصل دوراني، الشريك ورئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط في “نايت فرانك”.