أخبار عاجلة

الهجرة الجديدة من "بلاد كانط".. خوف من المستقبل أم يأس من التغيير؟

الهجرة الجديدة من "بلاد كانط".. خوف من المستقبل أم يأس من التغيير؟
الهجرة الجديدة من "بلاد كانط".. خوف من المستقبل أم يأس من التغيير؟

أوراق من برلين

هي هجرة جديدة في قلب بلاد الفلاسفة، حيث نشأت أفكار التنوير. اليوم، تظهر كظاهرة جديدة: هجرة متزايدة بدأت تطفو على السطح في ألمانيا منذ سنوات عديدة. على الرغم من تمسك الألمان العميق بجذورهم الوطنية، فإننا نجد أن العديد منهم بدؤوا يطرحون فكرة مغادرة وطنهم.

ولم يعد هذا الشعور بالهروب محصورا في فئة معينة؛ بل يشمل جميع الأعمار والخلفيات الاجتماعية. فما الذي دفع هؤلاء المواطنين إلى التفكير في الهجرة؟ هل هو خوف من المستقبل أم يأس من التغيير؟ دعونا نغوص في هذه الظاهرة، ونكتشف الأسباب التي تقف وراءها.

الخوف من تهديدات الأمن والسياسة

أحد العوامل الرئيسية التي دفعت العديد من الألمان إلى التفكير في مغادرة وطنهم هو التوترات السياسية والاقتصادية التي بدأت تؤثر على شعورهم بالاستقرار.

منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض واندلاع الحرب في أوكرانيا، بدأ الألمان يشككون في قدرة حكومتهم على مواجهة التحديات الدولية. يضاف إلى ذلك قلقهم من صعود الأحزاب المتطرفة؛ مثل حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD)، الذي بدأ يكسب شعبية في مختلف الأوساط.. ما يعزز الشعور بأن الوطن أصبح مهددا سياسيا.

الهجرة كخيار للبحث عن الأمان

لكن التهديدات الخارجية ليست العامل الوحيد الذي يفسر هذه الظاهرة؛ فهناك أيضا القلق الداخلي المتعلق بالاقتصاد والبطالة وظروف الحياة، حيث تواجه العديد من الأسر الألمانية صعوبة في تحمل الأعباء الاقتصادية المتزايدة، خاصة في ظل الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية. هنا، تصبح فكرة الهجرة خيارا مغريا للبحث عن حياة أفضل في دول توفر فرصا اقتصادية أكثر استقرارا.

دول الهجرة.. وجهات جديدة للألمان

من بين الوجهات الأكثر جذبا للألمان نجد دولا مثل كندا وأستراليا ونيوزيلندا، التي يُعتقد أنها توفر فرص عمل أفضل وجودة حياة أعلى.

هناك من يرى في هذه الدول ملاذا يوفر الأمان والحريات الواسعة بعيدا عن الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بألمانيا.

ومع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، بدأ العديد من الأوروبيين، بمن فيهم الألمان، يعيدون التفكير في مستقبلهم داخل الاتحاد الأوروبي. وينبع هذه القلق الجماعي من تراجع النفوذ الأوروبي في الساحة العالمية، وما قد يترتب على ذلك من تأثيرات سلبية على القارة. في هذا السياق، يُعتبر من الضروري بالنسبة لألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي إعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية والسياسية لمواجهة التهديدات المتزايدة من القوى الكبرى؛ مثل روسيا والصين.

الهجرة.. تحديات تواجه الشباب الألماني

الشباب الألماني بشكل خاص أصبح يشعر بمستقبل غير مؤكد في وطنه. مع ارتفاع تكاليف التعليم والسكن، يواجه العديد من الشباب صعوبة في إيجاد فرص عمل مستقرة؛ مما يجعل الهجرة إلى دول مثل كندا وأستراليا خيارا جذابا. تقدم هذه الدول فرصا مبتكرة في مجالات التكنولوجيا والابتكار، فضلا عن مستويات معيشة أعلى؛ مما يجعل الحياة في الخارج أكثر إشراقا من البقاء في وطنهم.

الهجرة بين الواقع والخيال

على الرغم من كل هذه المخاوف، فإن هناك من يرى أن الهجرة ليست حلا نهائيا. يحذّر العديد من الخبراء من أن الهجرة الجماعية قد تؤدي إلى فقدان ألمانيا جزءا كبيرا من قوتها البشرية. لا شك في أن تحديات، مثل تغير المناخ والتحديات الاقتصادية والتوترات السياسية، تجعل الهجرة مغرية للكثيرين؛ لكن الحلول الجذرية لا تكمن في الهجرة بل في مواجهة هذه التحديات داخليا.

إعادة بناء الثقة في المستقبل

في النهاية، تبقى الهجرة فكرة تراود الكثير من الألمان؛ لكنها ليست الحل النهائي. الهجرة قد تكون خيارا للبعض؛ ولكن الحل الحقيقي يكمن في الإصلاح الداخلي. من المهم إعادة بناء الثقة في المستقبل، وتعزيز القيم الديمقراطية، والعمل معا لتحقيق الاستقرار والازدهار.

إذا كان الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط قد تحدث عن التنوير وخروج العقل من حالة القصور، فإن المجتمع الألماني مطالب اليوم بالتفكير مليا في كيفية الخروج من هذا القصور ليتبنى أفكارا عقلانية ومستنيرة تساهم في بناء مستقبل أفضل لألمانيا دون الحاجة إلى الهروب من الواقع.

الهجرة قد تكون حلا للبعض؛ لكن التغيير الحقيقي لا يأتي بالهروب بل بمواجهة التحديات. أمام الألمان، اليوم، فرصة لإعادة بناء وطنهم؛ من خلال الإصلاحات الداخلية، والعودة إلى المبادئ التي تأسس عليها عصر الأنوار. في النهاية، الهجرة ليست الجواب النهائي؛ بل العمل الجماعي والتفكير العقلاني هو الطريق نحو مستقبل أفضل.

كاتب ومخرج مقيم في برلين

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق بث مباشر.. مشاهدة مباراة نجم المتلوي والإفريقي في الدوري التونسي
التالى بدون أوراق ولا زيارات.. البنك الرقمي مستقبل الخدمات المصرفية