شهدت جهة الشرق، خلال الفترة الأخيرة، تساقطات مطرية مهمة أنعشت القطاع الزراعي وعززت المخزون المائي في الأحواض والسدود، وأعادت الأمل إلى قلوب المزارعين في مختلف المناطق التابعة لنفوذها الترابي بعد توالي سنوات الجفاف التي كانت لها آثار سلبية على القطاع.
تساقطات هامة بالجهة سيكون لها تأثير إيجابي على مردودية المحاصيل الزراعية وكمية الإنتاج على عدة مستويات، رغم أنها غير كافية لمحو الآثار الوخيمة التي خلفتها موجات الجفاف المتوالية بالبلاد، وتتطلع آمال المزارعين إلى استمرار التساقطات المطرية خلال شهري أبريل وماي لحسم نجاح القطاع الزراعي هذا الموسم.
وفي هذا السياق، تحدّث عالي حمديوي، المدير الإقليمي للفلاحة بالناظور، عن أهمية القطاع الفلاحي في الاقتصاد الوطني، مؤكّدا أن القطاع يلعب دورا مهما في المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تفوق 14 في المائة، ويرتكز على تحقيق السيادة الغذائية الوطنية عبر تموين الأسواق بمختلف المنتوجات الغذائية الضرورية، مشيرا إلى أن أزيد من 40 في المائة من الساكنة بالمغرب مرتبطة بقطاع الفلاحة، خاصة في العالم القروي.
كما أبرز أهم الإجراءات والتدابير التي تقوم بها الوزارة المكلفة بالقطاع من أجل مواكبة الموسم الفلاحي الحالي، وضمان كل مقومات نجاحه رغم الظروف المناخية الصعبة التي سجلت في بداية الموسم، منها ما يتعلق بتوفير المدخلات من البذور والأسمدة، ودعم سلاسل الإنتاج، وتدبير مياه الري والتموين، ومواكبة الفلاحين، وتوسيع المساحات المزروعة، وخفض كلفة الإنتاج، وغيرها.
وبخصوص انعكاسات التساقطات المطرية الأخيرة على جهة الشرق، أوضح حمديوي أن الجهة عرفت تساقطات مهمة مقارنة بالسنوات الفارطة؛ مشيرا إلى أن “إقليم الناظور، على سبيل المثال، عرف إلى غاية شهر أبريل تساقطات مطرية بلغت أزيد من 119 مليمترا، وخلال شهر مارس وحده عرف معدل التساقطات المطرية أزيد من 31 مليمترا، كان لها أثر جد إيجابي ليس على مستوى المزروعات فقط، بل حتى على مستوى حقينة السدود، التي تمنح مياه السقي لمناطق فلاحية كبوعرك وسهل صبرة وسهل كرت…”.
وأضاف أن حقينة السدود بالجهة تجاوزت 144 مليون متر مكعب، بنسبة ملء تجاوزت 58 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية، التي لم تكن تتجاوز نسبة الملء فيها 24 في المائة. وهذه المعطيات، يتابع المتخدث، لها وقع جد إيجابي على الزراعات الخريفية، خاصة الحبوب، وعلى الزراعات الربيعية، خاصة القطاني والفول والبازلاء والعدس، وكذلك على الأشجار المثمرة، خاصة الحوامض والزيتون والعنب، ناهيك عن المراعي والغابات ومواطن الكلإ.
وفيما يتعلّق بالتحديات المطروحة في القطاع وكيفية تدبيرها، قال حمديوي إن “بلادنا مرت بمراحل صعبة جدا عرفت فيها انخفاضا كبيرا في مستويات التساقطات المطرية خلال السبع السنوات الماضية، وكانت لذلك، كما يعلم الجميع، آثار سلبية على جميع أنشطة القطاع الفلاحي بشكل عام، وما زالت هذه التحديات مستمرة. لذلك فالوزارة تشتغل مع جميع المتدخلين لإيجاد حلول لمياه السقي وإرواء المواشي، ونسجل في هذا الصدد انطلاقة مشاريع مهمّة من قبيل مشروع تحلية مياه البحر، وهو مشروع مهم مبرمج إنشاؤه بجهة الشرق، وبالتّحديد بإقليم الناظور، وسيضمن تزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب، والفلاحين بمياه السقي وإرواء المواشي”.
كما أن الوزارة، يضيف المتحدث، تعمل على تحقيق مشاريع أخرى موازية، من أهمها مشروع الرفع من حقينة سد محمد الخامس، الذي ما زالت فيه الأشغال متواصلة للزيادة في الحقينة الإجمالية للسد بطاقة استيعابية ستفوت مليار متر مكعب، إضافة إلى مشاريع بناء سدود أخرى في إقليمي جرسيف والدريوش.
وبخصوص دعم الفلاحين، قال المسؤول ذاته إن “مصالح وزارة الفلاحة تشتغل مع الفلاح عن قرب عبر تواصل يومي ومواكبة مستمرة من بداية الموسم إلى نهاياته، ويتجلى ذلك في توفير البذور للفلاحين بأسعار مناسبة، وتأمين زراعات الحبوب والقطاني ضد المخاطر المناخية كالجفاف وركود المياه في الحقول الفلاحية والصقيع والبرد والرياح القوية والرياح الرملية، وتنفيذ البرامج الوقائية لتلقيح القطيع الوطني ضد مختلف الأمراض الحيوانية، ودعم أثمنة بعض المدخلات الفلاحية كالبذور والأسمدة لخفض تكلفة الإنتاج مع تخصيص دعم مالي لبذور وشتائل الطماطم والبطاطس والبصل”.
وأضاف “في إطار استراتيجية الجيل الأخضر التي تنهجها وزارة الفلاحة ستكون هناك مشاريع تضامنية، منها غرس الأشجار المثمرة، وإنجاز نقط الماء بها، وكذلك فك العزلة بإنجاز مسالك فلاحية وقروية، وتأهيل التعاونيات، وتوزيع بعض الآليات على الفلاحين الصغار، وتكوين تعاونيات وخلق فرص الشغل، إضافة إلى مشاريع أخرى مثل إصلاح وإعداد المحيطات السقوية الصغيرة داخل الإقليم، وبناء السواقي الإسمنتية، وحفر الآبار لتزويد وسقي الأشجار المثمرة والمحيطات السقوية، وكذلك حفر الآبار لتروية الماشية”.
وختم المدير الإقليمي للفلاحة بالناظور تصريحه لهسبريس بالحديث عما سماه أهم مشروع في القطاع الفلاحي بإقليم الناظور، هو مشروع عصرنة قطاع الري في سهل كرت، قائلا إن “هذا المشروع، الذي سيكون بجماعة بني وكيل ولاد امحند، سيستهدف 13 ألفا و500 هكتار، وسيعتمد على تقنية السقي بالتنقيط بدل الرش لري مزروعات الشمندر السكري والخضروات والأشجار المختلفة، وسيستفيد منه أزيد من 3300 فلاح”.
ويهدف المشروع، وفق المتحدث ذاته، إلى الاقتصاد في استهلاك الماء والطاقة، وتحسين جودة مياه الري بفضل أنظمة التصيفة والترشيح، والرفع من مردودية الإنتاج، وتحسين دخل الفلاحين، وخلق فرص شغل جديدة، والرفع من عدد أيام العمل بأكثر من 300 ألف يوم عمل جديد. وفيما يخص البرمجة المالية لهذا المشروع المهم، فالاستثمار الإجمالي سيصل إلى 885 مليون درهم للتجهيز الخارجي و500 مليون درهم للتجهيز الداخلي.
من جهته، قال كمال أبركاني، باحث في العلوم الزراعية وأستاذ التعليم العالي بالكلية متعدّدة التخصصات بالناظور – جامعة محمد الأول، إن “جهة الشرق عرفت تساقطات مطرية مهمة بعد توالي سنوات الجفاف، فحقينة السدود بالجهة ارتفعت بنسبة جيدة، كما هي نسبة السدود كافة على المستوى الوطني، مقارنة بالسنة الماضية”.
وبخصوص الفرشة المائية، أوضح أبركاني أنها “يمكن أن ترتفع هي الأخرى بنسبة كبرى، لكن تحتاج إلى تساقطات مطرية مهمة كل سنة وبدون انقطاع كبير لأنه لا يمكن أن تتجدد الفرشة المائية إلا بعد سلسلة من التساقطات المطرية كل سنة”، لافتا إلى أن “هناك جانبا مهما من مياه التساقطات المطرية تصب في البحر، وبالتالي لا يمكن الاستفادة منها، لذلك لا بد من إعادة النظر في تجهيز بعض المناطق بالسدود المصغرة للحفاظ على الماء”.
وأبرز الباحث في العلوم الزراعية أن هذه التساقطات المطرية أنعشت بشكل كبير القطاع الزراعي بجهة الشرق، لما لها من آثار إيجابية جدا على الغطاء النباتي وتموين كلأ الماشية وتحسين التربة، إضافة إلى تأثيرها الإيجابي على نسبة الملوحة، وتشجيع بعض الزراعات الكبرى مثل الشمندر السكري والحبوب، وكذا على الأشجار المثمرة وإحيائها.
ورغم ذلك، يتابع أبركاني، تظل هذه التساقطات المطرية غير كافية لتحقيق الانتعاشة الحقيقية المرجوة في القطاع، مشيرا إلى أن “الكثير من الفلاحين عزفوا عن زراعة أراضيهم بسبب تخوفهم من قلة التساقطات المطرية على غرار السنوات الماضية، إضافة إلى أن الجفاف تسبب في إتلاف الكثير من المحاصيل الزراعية، لذلك نرجو أن تعرف الجهة تساقطات مطرية خلال شهري أبريل وماي لتأمين الموسم الفلاحي الجاري”. وسجل أن بعض المزروعات مثل الطماطم والبصل والبطاطس والشمندر السكري ستنتعش بهذه التساقطات الأخيرة.
وأبرز أن توالي سنوات الجفاف الأخيرة جعل مخططي السياسة المائية بالبلاد، خاصة بجهة الشرق، يتعاملون بحذر بالغ فيما يتعلّق بتوزيع دورات المياه، سيما الماء الصالح للشرب الذي له أولوية كبيرة.
وبخصوص ري المزروعات، أشار المتحدث ذاته إلى أن “الأولوية تُعطى للأشجار المثمرة مثل الزيتون والحوامض والعنب والأشجار الأخرى، وتوزيع دورات المياه يعتمد دائما على المتوفر في حقينة السدود، وتسعى هذه السياسة دائما إلى تجنب الإجهاد المائي الذي له آثار وخيمة، ونعني هنا حوض ملوية بجهة الشرق الذي يمد أغلبية المناطق الزراعية”.
أما عن التحديات التي تواجهها جهة الشرق في هذا القطاع، فقال أبركاني إن “جهة الشرق عرفت جفافا عنيفا خلال السنوات الأخيرة، حتى انخفضت حقينة سدود المياه إلى درجات مقلقة، خاصة الماء الصالح للشرب الذي هو أهم، وكان لذلك تأثير سلبي على مستوى القطاع الزراعي، حيث تراجع الكثير من الفلاحين عن زراعة بعض الخضروات، وأُتلفت الكثير من الأشجار المثمرة، منها أشجار الحوامض المعروفة بالجهة، وتراجعت المساحات المزروعة، وكل هذه العوامل كانت لها نتائج وخيمة على اليد العاملة ومساهمة الزراعة في الناتج الوطني الإجمالي، وكذا على قطيع الماشية، ويمكن القول إن جهة الشرق تُعد من أكثر الجهات تضرّرا على المستوى الوطني”.
ولتدارك هذه التحديات المطروحة، أفاد الباحث أن هناك مشاريع مهمة يمكن أن توفر المياه وتقتصد في استهلاكه كمشروع تعلية سد محمد الخامس (من أجل تخزين مليار متر مكعب)، والمشروع المرتقب بسواحل الناظور لتحلية مياه البحر (تحلية 300 مليون متر مكعب، منها 160 مليون من أجل السقي الزراعي، 30000 هكتار)، وكذلك مشروع تحويل وتطوير الري بسهل الكارت بإقليم الناظور (13600 هكتار)، وتجهيزه بتقنية الري بالتّنقيط، الذي يمكن أن يقتصد 70 بالمئة من مياه الري، حسب المصادر العلمية والتقنية.
واقترح أبركاني العمل على وضع خطة زراعية محكمة تعتمد على معادلة تتضمن عدة معطيات تتعلق بكمية المياه المتوفرة على مدار السنة، وطبيعة الإنتاج الزراعي، وأهميته السوسيوـ اقتصادية، أخذا بعين الاعتبار حجم الاستثمارات المخصصة، على سبيل المثال، لإنتاج سلاسل الأشجار المثمرة نظرا لعدد السنوات التي يستغرقها هذا النوع من الزراعة من أجل إنتاج المحصول من الثمار لدى المزارعين المتضررين من الجفاف.
وختم المتحدث تصريحه بهسبريس بالإشارة إلى ضرورة حماية الزراعات المعيشية، وإمدادها بالماء اللازم دون إفراط للحفاظ على هذا نسيج المزارعين في العالم القروي، واتخاذ كافة التدابير اللازمة للزراعة في الأوقات المناسبة، مع مراعاة التقلبات المناخية، والإكثار من الجمعيات المهنية حتى كون هناك تنظيم لدورات السقي ليعرف الفلاح خطة الزراعة وفق المعطيات المائية، إضافة إلى تنظيم دورات تكوينية وتحسيسية للمزارعين لتفادي إشكاليات التأثير السلبي للإجهاد المائي.