الجماعات المتطرفة في إفريقيا بين خيوط المصالح وتقاطع القوى الدولية
تشهد القارة الإفريقية تصاعدًا خطيرًا في نفوذ الجماعات المتطرفة المسلحة، وسط مشهد إقليمي ودولي معقد تتقاطع فيه مصالح جماعات مثل القاعدة، داعش، حركة الشباب الصومالية، بوكو حرام، مع أجندات قوى كبرى مثل إيران، الحوثيين، الصين، أمريكا، روسيا. هذا المشهد لا يمكن فهمه بمعزل عن التنافس على الموارد، النفوذ الجيوسياسي، والممرات الاستراتيجية.
أولًا: خريطة الجماعات المتطرفة في إفريقيا ونقاط قوتها
تتمركز الجماعات المتطرفة في إفريقيا في ثلاث بؤر رئيسية:
1. غرب إفريقيا (منطقة الساحل والصحراء): عبر تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بالقاعدة، وجناح بوكو حرام (ولاية غرب إفريقيا).
2. القرن الإفريقي (الصومال): حركة الشباب الصومالية تسيطر على مناطق واسعة في الجنوب والوسط.
3. وسط إفريقيا (جمهورية الكونغو، موزمبيق): ظهرت جماعات داعش في موزمبيق والكونغو، ضمن استراتيجية "الولايات الخارجية" لداعش.
هذه الجماعات تستفيد من:
هشاشة الدول وضعف الحكومات.
الفراغ الأمني مع انسحاب أو تقليص أدوار القوات الدولية.
الطرق التجارية والتهريب لتمويل أنشطتها (الذهب، المخدرات، السلاح، الفدية).
البيئات المهمشة اجتماعيًا حيث تقدم نفسها كبديل يوفر الحماية والخدمات.
لكن الأهم أن هذه الجماعات لم تعد تتحرك بمعزل عن الصراعات الدولية، بل أضحت جزءًا من لعبة النفوذ الكبرى.
ثانيًا: تقاطع مصالح الجماعات المتطرفة مع القوى الدولية والإقليمية
1. مع إيران والحوثيين: التحالف غير المباشر عبر البحر الأحمر
إيران تدعم الحوثيين في اليمن الذين بدورهم يربطون خطوط التهريب والتسليح مع حركة الشباب الصومالية عبر خليج عدن.
الحوثيون بحاجة لممرات بحرية آمنة وواجهات في القرن الإفريقي لدعم عملياتهم ضد التحالف العربي.
حركة الشباب تستفيد من هذا التهريب في الحصول على السلاح والعتاد.
هذا تحالف غير معلن لكنه قائم على المصالح اللوجستية والأيديولوجية (عداء مشترك للأنظمة الحليفة للغرب).
2. مع روسيا: توظيف الفوضى لصالح شركات أمنية وأجندات جيوسياسية
روسيا (مباشرة أو عبر فاغنر سابقًا) تدخلت في إفريقيا حيثما يوجد فراغ أمني، واستغلت تمدد الجماعات المتطرفة لتبرير نشر مقاتلين تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، بينما في الحقيقة تسعى:
لتأمين عقود تعدين وذهب ويورانيوم.
لتعزيز وجودها العسكري في موانئ البحر الأحمر (مثل السودان).
الجماعات المتطرفة، وإن كانت خصمًا معلنًا، توفر ذريعة لتكريس النفوذ الروسي كقوة أمنية بديلة للغرب.
3. مع الصين: أمن الممرات التجارية واستقرار الاستثمارات
الصين، المستثمر الأكبر في البنية التحتية الإفريقية، ترى الجماعات المتطرفة تهديدًا مباشرًا لمشاريعها ومبادرة الحزام والطريق. لكنها تعتمد على استراتيجية ناعمة (اقتصادية وأمنية بالوكالة) بدل التدخل العسكري المباشر، من خلال:
الضغط على الحكومات المحلية لشراء تقنيات مراقبة وقمع.
دعم قوات الأمن المحلية بأدوات تكنولوجيا المراقبة (كاميرات، برامج تجسس).
الصين لا تدعم الجماعات المتطرفة، لكنها تضطر للتعامل مع بيئة تفرض عليها تأمين مشاريعها.
4. مع أمريكا: معركة مكافحة الإرهاب وشبكات المصالح
الولايات المتحدة تعتبر إفريقيا ساحة مفتوحة لحرب ممتدة على الإرهاب، خاصة في الصومال ومنطقة الساحل. لكنها تواجه تحديات:
قلة الموارد المخصصة مقارنة بالشرق الأوسط.
صعوبة كسب حلفاء محليين فعالين.
الجماعات المتطرفة توفر مبررًا لاستمرار الوجود العسكري الأمريكي (قواعد، طائرات مسيرة)، وحضور الشركات الأمنية الأمريكية، ضمن معادلة توازن القوى مع الصين وروسيا.
في النهاية وجود الجماعات المتطرفة في إفريقيا لم يعد مجرد ظاهرة أمنية محلية، بل تحول إلى ورقة في صراع دولي متعدد المستويات، حيث تتقاطع مصالح وأهداف:
الجماعات المتطرفة: التوسع والسيطرة على موارد محلية.
إيران والحوثيون: فتح جبهات جانبية لخدمة صراعات الشرق الأوسط.
روسيا والصين وأمريكا: التحكم في الممرات التجارية، الموارد، والنفوذ السياسي.
هذا المشهد يعيد إفريقيا إلى مربع حرب الوكلاء، ويجعل استقرارها رهينًا بصفقات القوى الكبرى، وسط غياب مشروع أفريقي موحد قادر على كسر هذه الدائرة.