قبل أحد عشر عاما، انطلقت شرارة حلم صغير من قلب مدينة الإسكندرية المصرية، فكبر الحلم عاما بعد عام، وتحول إلى مهرجان سينمائي يشار إليه بالبنان.. إنه مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير، الذي بات اليوم علامة فارقة في المشهد الثقافي العربي، يثبت في كل دورة أن الشباب قادرون على صناعة الفارق حين تتوفر لهم المساحة والرؤية والدعم الحقيقي.
وبكل فخر واعتزاز، جددت دعمي لهذا المهرجان للعام الثالث على التوالي، من خلال "بيت الكويت للأعمال الوطنية" و"خليجيون في حب مصر"، إيمانا منا بقيمة هذا المشروع الثقافي الكبير، الذي نجح بجهود شبابه في أن يتحول إلى منصة دولية تحتفي بالفن الراقي وتمنح المواهب فرصة حقيقية للظهور.
كما شاهدت بعيني ولمست بقلبي، فإن الدورة الحادية عشرة كانت استثنائية بكل المقاييس، إذ جمعت مشاركات من أكثر من 120 دولة، وعرض خلالها مئات الأفلام القصيرة، وسط حضور جماهيري شبابي كثيف، يعكس تعطش الجيل الجديد للثقافة والفن والمعرفة، التنظيم كان على أعلى مستوى، والفعاليات امتدت من لحظة الافتتاح وحتى لحظة الختام، مرورا بندوات وورش عمل وحلقات نقاشية جمعت صناع السينما من مختلف الخلفيات والتجارب.
ما يميز هذا المهرجان عن كثير من الفعاليات الفنية الأخرى، أنه لا يكتفي بالشكليات، ولا يقام من أجل "الشو" الإعلامي فحسب، بل يبنى على محتوى حقيقي، وتجربة ثقافية متكاملة، تبدأ بعد الافتتاح لا قبله، وتركز على التفاعل الحي، والنقاش، والتعلم، والتكامل بين المبدعين.
أقول ذلك لأنني رأيت مهرجانات أخرى تنتهي فعليا بعد حفل الافتتاح، فلا عروض مهمة ولا حضور جماهيري حقيقي، ولا نقاشات وندوات، فقط موائد وكاميرات وسلامات.
وفي هذا السياق، أتقدم بجزيل الشكر والعرفان للفنانين الكبار الذين حضروا هذه الدورة وأضفوا عليها رونقا خاصا، وعلى رأسهم النجم القدير محمود حميدة، الذي دائمًا ما يبرهن على التزامه بدعم السينما المستقلة وقضايا الشباب الثقافية.
كما أوجه دعوة صادقة إلى كل نجوم مصر من ممثلين ومخرجين ومنتجين، أن يلتفتوا إلى هذا المهرجان الذي يُشرّف السينما المصرية، ويُعلي من قيمة الفن الحقيقي. حضورهم هو دعم رمزي ومعنوي لا يقدَّر بثمن، ورسالة واضحة بأن مصر تقف مع شبابها في مسيرتهم الفنية الطموحة.
ومن هنا، أوجه نداء صادقا إلى معالي وزير الثقافة المصري، الدكتور أحمد فؤاد هنو، وأدعوه إلى التواجد والدعم المباشر لهؤلاء الشباب، الذين يحملون مشعل الفن في زمن عز فيه التقدير للثقافة المستقلة، هؤلاء الشباب هم مستقبل مصر الثقافي، وعلينا أن نرعاهم ونمد لهم يد العون، فهم لا يطلبون أكثر من أن يشعروا بأن هناك من يقدر جهودهم.
كما أوجه نداء آخر إلى معالي وزير الشباب والرياضة، الدكتور أشرف صبحي: أين الوزارة من هذا المشروع الشبابي الثقافي المتكامل؟ منذ أحد عشر عاما، وهؤلاء الشباب يناضلون من أجل خلق مساحة فنية حرة ونظيفة، تعبر عن طموحاتهم وتعزز من صورة مصر بين دول العالم، فمن باب أولى أن تكون الوزارة حاضنة لمثل هذه المبادرات لا بعيدة عنها.
وإلى معالي الفريق أحمد خالد حسن سعيد، محافظ الإسكندرية، فإن ما صنعه شباب هذا المهرجان لمحافظتكم الجميلة يستحق الإشادة والدعم الكبير. لقد أعادوا وضع الإسكندرية على خريطة السينما العالمية، وأثبتوا أن هذه المدينة العريقة لا تزال قادرة على احتضان الإبداع والتجدد.
بصفتي مواطنا عربيا كويتيا، أؤمن أن دعم الشباب ليس خيارا، بل واجب وطني وقومي، وهؤلاء الشباب الذين صنعوا من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير قصة نجاح عربية، هم نموذج يحتذى به.. فليكنوا قدوة لكل من يؤمن بأن الثقافة هي السبيل الأرقى لمستقبل أفضل.
فلنقف معهم جميعا.. ولنجعل من دعمهم قضية ثقافية وطنية.
د / يوسف العميري
للمزيد تابع خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك