يصادف الثلاثون من أبريل من كل عام اليوم العالمي للأرض، وهو مناسبة عالمية تهدف إلى تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية لكوكبنا. وفي هذا السياق تبرز قضية التصحر كأحد أبرز التحديات البيئية التي تواجه العديد من الدول، بما فيها المغرب، الذي يبذل جهوداً كبيرة لمكافحة هذه الظاهرة من خلال برامج إعادة التشجير واستصلاح الأراضي.
هذه السياسات، التي تتضمن استراتيجيات وطنية طموحة، تهدف إلى الحد من تدهور الأراضي وتعزيز التنوع البيولوجي، لكن فعاليتها تظل محل نقاش بين الخبراء والفاعلين البيئيين.
ويتطلب مكافحة التصحر، وفق الخبراء، تكاملاً بين التشريعات البيئية والتطبيق الفعلي للسياسات ومشاركة المجتمعات المحلية. وفي هذا الإطار يرى البعض أن المغرب حقق تقدماً ملحوظاً في وضع إطار قانوني ومبادرات ميدانية، بينما يشير آخرون إلى وجود فجوة بين القوانين والتطبيق الفعلي، إلى جانب تحديات مناخية واجتماعية تعيق تحقيق الأهداف المرجوة.
في هذا السياق أشاد محمد بنعطا، منسق التجمع البيئي لشمال المغرب، بالترسانة القانونية المغربية، التي تواكب المعايير العالمية في هذا المجال، مستشهداً بالدستور الذي ينص على الحق في بيئة سليمة، والميثاق الوطني للبيئة، وقانون دراسة التأثير على البيئة. غير أنه أعرب عن أسفه لضعف تطبيق هذه القوانين، سواء من قبل صانعي القرار أو القضاة.
وأشار بنعطا، في تصريح لهسبريس، إلى أن اللجان الإقليمية والاستثمارية “لا تعطي الأولوية للصحة العامة والبيئة، التي تنص على مبدأ الحيطة”، مبرزا أن “هذا الضعف يعيق تحقيق الأهداف المعلنة عالمياً بالرغم من الاهتمام المتزايد الذي تحظى به من قبل الأفراد”. وذكر في هذا السياق تنظيم نشاط بمناسبة اليوم العالمي للأرض في الموقع البيولوجي لملوية، شارك فيه أكثر من 100 شخص، من بينهم تلاميذ، طلبة، فاعلون جمعويون وأساتذة جامعيون.
وأوضح أن النشاط ركز على التحسيس بأهمية هذا اليوم، لافتا إلى قيمة الكوكب وضرورة الحفاظ عليه في ظل استنزاف موارده الطبيعية، من المقالع والمعادن إلى الثروات السمكية. وأكد أن الحفاظ على البيئة “مسؤولية مشتركة للمواطنين والمجتمع”.
ويرى الناشط البيئي ذاته أن المغرب يُعتبر رائداً عالمياً في مجال البيئة، خاصة في الطاقات المتجددة مثل محطات “نور” الشمسية ومحطات الرياح، لكنه لاحظ “استمرار تدهور التنوع البيولوجي والمناطق الرطبة والجبال والسواحل”. وأرجع ذلك إلى “عدم كفاية الإجراءات الميدانية مقارنة بالقوانين المنصوص عليها”، مشيراً إلى تفاوت في الأحكام القضائية، حيث يستند بعض القضاة إلى القوانين البيئية بينما يتجاهلها آخرون، مما يبطل مكتسبات الميثاق الوطني والدستور.
وخلص منسق التجمع البيئي لشمال المغرب إلى أن المملكة وضعت أهدافاً طموحة مثل تشجير 600 ألف هكتار، لكنه أكد أن “الواقع لا يعكس هذه الطموحات”، لافتا إلى “تراجع المغرب مقارنة بدول أخرى تقدمت في سياسات الانتقال الطاقي، رغم امتلاكه موارد طبيعية وفيرة”.
من جانبه، اعتبر مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، أن تقييم هذه السياسات “يتطلب النظر إلى نقاط القوة والتحديات”، مبرزا أن المغرب أطلق استراتيجيات طموحة مثل “غابات المغرب 2020-2030” لتشجير 600 ألف هكتار، مع التركيز المتزايد على الأصناف النباتية المحلية، حيث ارتفعت نسبتها إلى 35 في المائة مع هدف الوصول إلى 60-65 في المائة بحلول 2030.
وأكد بنرامل، في حديث لهسبريس، أن السياسات الحالية “تحقق نجاحات مهمة بدعم من استراتيجيات وطنية ومشاركة محلية، لكنها تواجه تحديات كبيرة تتطلب تطوير استراتيجيات مبتكرة وضمان تمويل مستدام وتعزيز التنسيق، مع الأخذ بالاعتبار التحديات المناخية”.
وأضاف أن من نقاط القوة إشراك المجتمعات المحلية في أنشطة اقتصادية بديلة، وتوسيع المناطق المحمية لتصل إلى 30 في المائة بحلول 2050، إلى جانب عرض التجارب الناجحة دولياً مثل تجربة زراعة المحاصيل في الصحراء بتقنيات مبتكرة.
في المقابل، أوضح بنرامل أن التحديات تشمل استمرار تدهور الغابات بمعدل 17 ألف هكتار سنوياً، والضغوط البشرية مثل الاستغلال المفرط للموارد والتوسع العمراني غير المنظم. كما أشار إلى تأثير التغيرات المناخية، من ارتفاع الحرارة ونقص الأمطار، التي تزيد في جفاف التربة وتعيق نجاح برامج التشجير، إلى جانب تحديات إدارة الموارد المائية والتمويل المستدام، وضرورة تعزيز التنسيق بين الجهات الفاعلة والمجتمع المدني، مذكراً بتنفيذ جمعيته أنشطة بمناسبة هذا اليوم العالمي لتعزيز الوعي والقدرات في المجال البيئي والمناخي، تماشياً مع جهود المغرب في مكافحة التصحر عبر برامج إعادة التشجير واستصلاح الأراضي.