
في خضم التوترات الجيوسياسية وتحت مظلة الحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، بدأت تظهر تداعيات ملموسة على حركة الشحن الدولية، كان أبرزها التباطؤ الحاد في نشاط الموانئ الأميركية، بالتزامن مع فرض واشنطن رسومًا جمركية تصاعدية على الواردات الصينية، ما أثار تساؤلات واسعة حول مستقبل التجارة العالمية.
تباطؤ في موانئ أميركا.. .وميناء لوس أنجلوس في الواجهة
تُظهر البيانات الأخيرة تراجعًا كبيرًا في حركة الحاويات القادمة من الصين إلى الولايات المتحدة، خصوصًا في ميناء لوس أنجلوس، الذي يُعد البوابة الرئيسية للبضائع الصينية. وتشير التقديرات إلى انخفاض متوقع في الشحنات بنسبة تصل إلى ثلث حجمها مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
بحسب صحيفة فايننشال تايمز، فإن حجوزات الحاويات من الصين انخفضت بنسبة 45% على أساس سنوي، بينما فرضت إدارة ترامب رسومًا وصلت إلى 145% على بعض الواردات الصينية، ما أدى إلى عزوف واضح من المستوردين الأميركيين عن السوق الصينية.
اتجاه نحو بدائل آسيوية
مع اشتداد الضغط الجمركي، بدأت الشركات الأميركية تبحث عن أسواق بديلة في جنوب شرق آسيا، كفيتنام والهند، ما أدى إلى زيادة في تكاليف الشحن بنحو 15% على بعض الطرق الجديدة، وخلق حالة من إعادة توجيه سلاسل الإمداد بعيدًا عن الصين، وإن كان ذلك يتم ببطء وبكُلفة اقتصادية مرتفعة.
الشحن العالمي يعيد رسم خرائطه
تؤكد استطلاعات دولية أن النزاع التجاري الأميركي الصيني لا يلوح له حل قريب، وأن تأثيراته ستكون دائمة على خريطة التجارة العالمية. وتشير تقديرات غرفة التجارة الدولية إلى أن التوترات الأخيرة أعادت رسم ملامح الاقتصاد الدولي حتى قبل انتهاء المعركة الجمركية.
مفاوضات على الطاولة ولكن.. .
في المقابل، بدأت تظهر بوادر تحرّك دبلوماسي، حيث أبدت الصين استعدادها لتقييم مبادرات أميركية لاستئناف المفاوضات. لكن وزارة التجارة الصينية شددت على ضرورة إلغاء الرسوم الأحادية كشرط مبدئي لاستعادة الثقة، وهو ما يشكل عقبة في طريق الحل.
خسائر للطرفين.. .والاقتصاد الأميركي على المحك
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن الطرفين، الولايات المتحدة والصين، يدفعان فاتورة باهظة لهذه الحرب. ففي حين تشهد المصانع الصينية تراجعًا في مؤشر التوظيف والإنتاج، تُواجه الأسواق الأميركية نقصًا متوقعًا في السلع الأساسية وارتفاعًا في الأسعار، قد يُترجم إلى ركود اقتصادي محتمل خلال الـ12 شهرًا المقبلة، بحسب الخبير الاقتصادي علي حمودي.
قطاع الشحن في مهب الريح
من جهته، يرى مستشار الاقتصاد الدولي عامر الشوبكي أن قطاع شحن الحاويات هو الأكثر تضررًا، خصوصًا أن أغلب البضائع المتأثرة تُنقل في حاويات، فيما بقيت قطاعات مثل النفط والسلع السائبة الجافة خارج دائرة الرسوم. ويُحذر من أن أي نمو صفري في الواردات الأميركية قد ينعكس بانخفاض عالمي في حجم الحاويات بنسبة 0.5 نقطة مئوية.
الصين لم تنتعش أيضًا
وبينما يظن البعض أن الصين استفادت من هذه التحولات، إلا أن البيانات تُظهر العكس. فقد سجل مؤشر مديري المشتريات الصناعي تراجعًا إلى أدنى مستوياته منذ جائحة كوفيد-19، ما يشير إلى انكماش فعلي في نشاط التصدير، وسط تقارير عن تسريح عمال وتراجع الإنتاج في المصانع الموجهة للتصدير.
هل خسر الجميع؟
تشير مجمل المؤشرات إلى أن الحرب التجارية التي بدأتها إدارة ترامب لم تُحقق حتى الآن فائزًا واضحًا، بل وضعت كلاً من الصين وأميركا على حافة تباطؤ اقتصادي، فيما بدأت موانئ العالم تتأقلم مع خريطة جديدة للتجارة البحرية، قوامها التكيف، والمناورة، ودفع الثمن.
للمزيد تابع خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك