أخبار عاجلة

الكثير من اللغط حول عبد الناصر.. لماذا الجدل الآن؟

الكثير من اللغط حول عبد الناصر.. لماذا الجدل الآن؟
الكثير من اللغط حول عبد الناصر.. لماذا الجدل الآن؟

أثار تسجيل صوتي نادر لمحادثة جرت عام 1970 بين الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر ونظيره الليبي معمر القذافي جدلًا واسعًا في العالم العربي. 

وهذا التسجيل، الذي نُشر على قناة يوتيوب مرتبطة بقناة تحمل اسم عبد الناصر، ويكشف عن نقاش صريح ومليء بالتفاصيل حول القضية الفلسطينية والصراع العربي-الإسرائيلي. وكشفت الضجة التي أثارها هذا التسجيل المزيد عن السياسات المعاصرة في الشرق الأوسط أكثر من التاريخ نفسه، وفقًا لمجلة نيولاين الأمريكية.

التسجيل ومحتواه

وفقًا للمحللين، سُجل الشريط، الذي استمر 18 دقيقة، في قصر القبة بالقاهرة في 3 أغسطس 1970، أي قبل أقل من شهرين من وفاة عبد الناصر المفاجئة بنوبة قلبية عن عمر 52 عامًا. شارك في المحادثة، إلى جانب عبد الناصر والقذافي، ستة مسؤولين كبار من مصر وليبيا. في هذا النقاش، بدا عبد الناصر بعيدًا عن الخطاب الحماسي الذي اشتهر به، معبرًا عن رؤية واقعية تجاه القضية الفلسطينية.

في إحدى اللحظات، يشتكي عبد الناصر من الشعارات الرنانة التي تطالب بتحرير فلسطين "من النهر إلى البحر"، قائلًا: "اليوم يقولون، 'إما فلسطين كلها من النهر إلى البحر، أو لا شيء!'"، ثم يضيف: "حسنًا، لنقل، 'سنحرر' فلسطين، سيكون الأمر مثل 1948، لن نحرر أو نفعل أي شيء. أنا آسف للتحدث بمرارة. ولكن من سيحرر الضفة الغربية؟ هذا يعني أننا نعطي بقية فلسطين لليهود. هل هذا ما يريده أحد؟"

عندما يرد القذافي بأن الحرب مع إسرائيل "وجودية" ولا مفر منها، يقاطعه عبد الناصر: "متى سنقاتل؟ من أين سنحصل على الأسلحة؟... كيف تحرر تل أبيب؟ اليهود أقوى منا، أود أن أقول لك؛ أقوى على الأرض، أقوى في الجو، رغم كل ما فعلناه وأنفقناه. حتى في الدبابات، هم متفوقون، في الطائرات، في المدفعية.... لا أقول هذا لأنني انهزامي، أقوله لأنه إذا أردنا تحقيق هدف، يجب أن نكون واقعيين ونعرف كيف نحققه."

في نقطة أخرى، يقول عبد الناصر إنه لو كان ملك الأردن حسين، لكان وافق على إبقاء الضفة الغربية منزوعة السلاح، إذا كان ذلك شرط إسرائيل لإعادتها إلى المملكة الهاشمية. "كيف إذا سيستعيد الملك حسين الضفة؟" أما بالنسبة للفصائل الفلسطينية المسلحة التي كانت تأمل في الإطاحة بحسين والاستيلاء على السلطة في الأردن، فقد علق مازحًا: "لو فقط!... إذا استولوا على السلطة، سيصبحون أشخاصًا لديهم مسؤوليات أمامهم. كيف سيحررون الضفة الغربية؟"

ثم يقدم عبد الناصر للقذافي اقتراحًا ساخرًا: "اذهب إلى بغداد.... سنبقى بعيدين عن كل ذلك، اتركنا مع قرارنا السلمي الانهزامي الاستسلامي، يمكنني التعامل مع ذلك بضمير مرتاح. تفضل، من يريد أن يقاتل إسرائيل.. سوريا تريد أن تقاتل، وما اسمه، ياسر عرفات، وجورج حبش، ونايف حواتمة، اجمعهم." يضحك القذافي. "واجمع أحمد حسن البكر، وسالم ربيع علي، وإذا أردت أن تقاتل، اذهب أيضًا إلى الجزائر واجمع هواري بومدين للقتال.... سنتفق مع يارينغ، سنتحدث فقط عن سيناء، لن يكون لنا علاقة بالقضية الفلسطينية، ولا بالحدود الآمنة، ولا بأي شيء آخر، سنتحدث فقط عن سيناء."

السياق التاريخي

قد تبدو تصريحات عبد الناصر صادمة لمن اعتادوا على صورته كرمز للقومية العربية ومقاومة إسرائيل، لكن السياق التاريخي يكشف أنها لم تكن خارجة عن سياق تصريحات عبد الناصر العلنية المنشورة والموثقة. وفي عام 1970، كان عبد الناصر يعاني من تداعيات هزيمة 1967 المدمرة في حرب الأيام الستة، التي احتلت فيها إسرائيل القدس الشرقية، والضفة الغربية، وغزة، وهضبة الجولان السورية، وسيناء المصرية.

في نوفمبر 1967، قبل عبد الناصر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، الذي اعترف بـ"سيادة إسرائيل، ووحدتها الإقليمية، واستقلالها السياسي" وحقها في "العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها". كان هذا تحولًا كبيرًا من خطابه في مايو 1967، عندما تعهد بـ"تدمير" إسرائيل. دعا القرار 242 إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وتسوية عادلة لقضية اللاجئين الفلسطينيين، مما أسس لصيغة "الأرض مقابل السلام".

رفضت منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة ياسر عرفات، القرار 242، كما فعلت دول مثل سوريا والعراق وليبيا، مما أدى إلى توتر العلاقات مع عبد الناصر. في يوليو 1970، أعلن عبد الناصر تأييده لخطة وزير الخارجية الأمريكي ويليام روجرز لوقف إطلاق النار واستئناف محادثات السلام بناءً على القرار 242.

 أثار هذا غضب منظمة التحرير، التي نظمت مظاهرات وصفت عبد الناصر بـ"الخائن" و"الجبان". رد عبد الناصر بإغلاق محطات إذاعة المنظمة في القاهرة ووقف تمويل المقاتلين الفلسطينيين في غزة.

كانت علاقاته مع منظمة التحرير سيئة للغاية لدرجة أنه تكهن للقذافي بأن مقاتلًا فلسطينيًا قد يغتاله: "الفدائيون قد يأتون ويقتلونني، أحدهم من الفلسطينيين، بسبب هذا. أقول لك، هذا حقيقي. يقولون، 'خان عبد الناصر وتخلى عن قضية فلسطين' ولا أعرف ماذا. قد يكون هناك حتى مصريون يوافقون. لكن أعرف ما أفعله وأنا مقتنع بما أقول."

لماذا الجدل الآن؟

ما يثير الدهشة ليس محتوى التسجيل، بل ردود الفعل العاصفة بعد 55 عامًا. التسجيل لم يكن "تسريبًا"، بل كان متاحًا منذ سنوات على مواقع وثائقية شهيرة، وفقًا للمحللين ولكن توقيت نشره على يوتيوب وانتشاره عبر وسائل التواصل الاجتماعي جعله مادة للنقاش العام.

هذا الجدل يكشف عن فجوة بين الصورة الشعبية لعبد الناصر كبطل قومي والحقائق التاريخية لمواقفه. ظهر عبد الناصر في التسجيل كسياسي براجماتي يعترف بمحدودية القدرات العربية ويدعو إلى حل دبلوماسي. منذ أكتوبر 2023، أدت الحرب في غزة إلى تصعيد التوترات حول قضية السلام مع إسرائيل. استُخدم التسجيل كأداة سياسية من قبل أطراف مختلفة، حيث رأى البعض أنه يوفر ذخيرة للدول العربية التي عقدت السلام مع إسرائيل.

في الأردن، التي وقّعت معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1994، أضاف الكشف عن مؤامرة ودافعت حماس عن منفذي المؤامرة، أهمية معاصرة للتسجيل. في لبنان، حيث خاضت فصائل حزب الله المسلحة حربها مع إسرائيل بعد 7 أكتوبر، شكّل التسجيل جزءًا من النقاش حول نزع سلاح الفصائل الفلسطينية وربما التطبيع مع إسرائيل. في سوريا، ظهرت تقارير عن استعداد الرئيس أحمد الشرع لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفي الخليج، تستمر التكهنات حول إمكانية انضمام السعودية إلى "اتفاقيات إبراهيم"، وهو ما وصفه مستشار الأمن القومي الأمريكي مايكل والتز بأنه "أولوية كبيرة" لإدارة دونالد ترامب.

عبد الناصر: الرجل والأسطورة

التسجيل ليس مجرد وثيقة تاريخية، بل مرآة تعكس انقسامات السياسة المعاصرة في الشرق الأوسط. عبد الناصر يظل شخصية مثيرة للجدل. كما لاحظ أحد المفكرين، من المستحيل التفكير في أي قضية في العالم العربي دون الأخذ بعين الاعتبار رأي جمال عبد الناصر، لأن تأثيره يتجاوز الزمان والمكان. هذا التأثير المستمر يعكس قوة إرثه، ولكنه يكشف أيضًا عن تعقيدات شخصيته وسياساته.

من الناحية التاريخية، لا يوجد الكثير من الجديد في التسجيل. كما أشار أحد المؤرخين، فإن مواقف عبد الناصر بعد هزيمة 1967 ليست مفاجئة لمن يعرف الحقائق الأساسية. عبد الناصر لم يكن مجرد قائد حماسي، بل كان سياسيًا براجماتيًا. في كتابه "فلسفة الثورة"، يروي لقاءه مع ضابط إسرائيلي، يروحام كوهين، خلال حرب 1948-49، ويبدي اهتمامًا بتجربة إسرائيل في مقاومتها للانتداب البريطاني، بل ويعبر عن ندم على دخول مصر الحرب في فلسطين.

التسجيل الصوتي لمحادثة عبد الناصر والقذافي وثيقة تاريخية رائعة، ليس فقط لما تكشفه عن تفكير عبد الناصر في آخر أيامه، بل لما تعكسه من تعقيدات السياسة العربية المعاصرة. الجدل الذي أثاره يبرز الفجوة بين الأسطورة التي بنيت حول عبد الناصر والواقع الذي عاشه. أكثر من ذلك، يظهر كيف أن قضايا الماضي، مثل الصراع العربي-الإسرائيلي، لا تزال تشكل عدسة يُنظر من خلالها إلى السياسات الحالية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق كاف يحدد حكام مباراة نهضة بركان وشباب قسنطينة الجزائري
التالى عز الدين أوناحي يعلق على تألقه: “هذا ما أسعى إليه دائمًا!”