الفاتيكان , مع وفاة البابا فرانسيس عن عمر يناهز 88 سنة ، دخل الفاتيكان مرحلة دقيقة من الانتقال، تبدأ بسلسلة طقوس تقليدية متجذرة في التاريخ الكنسي. تعتبر هذه الطقوس المهيبة بمثابة إعلان رسمي لنهاية عهد بابوي وفتح صفحة جديدة في قيادة الكنيسة الكاثوليكية. من التحقق من الوفاة إلى تدمير رموز السلطة واختيار خليفة جديد، تشكّل هذه الإجراءات مشهداً دينياً فريداً يتابعه العالم باهتمام كبير.

طقوس التحقق من وفاة بابا الفاتيكان : المطرقة الفضية والإعلان اللاتيني
أحد أبرز الطقوس المثيرة عند وفاة البابا هي التحقق الرسمي من الوفاة، وهي مهمة يتولاها “الكاميرلينجو”، وهو الشخص المخوّل بإدارة الشؤون خلال فترة أي فترة شغور الكرسي الرسولي. يتولى هذا المنصب حالياً الكاردينال كيفن جوزيف فاريل، الذي يؤدي هذا الدور وفق طقوس دقيقة.
يُستخدم في هذه الطقوس مطرقة فضية صغيرة، تقرع بها جبهة البابا بلطف ثلاث مرات بينما يُنادى باسمه الأول. بعد ذلك، يُعلن الكاميرلينجو باللغة اللاتينية: أي ” حقا، البابا قد مات “. هذا الإعلان لا يهدف فقط إلى التأكيد الرسمي، بل يحمل أيضًا رمزية دينية عميقة، تمثل نهاية القيادة الروحية لشخص البابا وبدء العد العكسي لاختيار خلفه.

خاتم الصياد: رمز السلطة الذي يُدمَّر
خاتم الصياد أو هو أحد أهم رموز السلطة البابوية، ويُستخدم تقليديًا لختم الوثائق الرسمية. يُصنع هذا الخاتم من الذهب عادة، ويظهر عليه نقش للقديس بطرس، أول بابا وفقًا للتقاليد، وهو يصطاد من قارب، إلى جانب اسم البابا الحالي.
بعد وفاة البابا، يتم تدمير الخاتم في مراسم رسمية باستخدام مطرقة من الفضة والعاج، وذلك لمنع أي استخدام غير مشروع له وللتأكيد الرمزي على نهاية فترة حكمه. البابا فرانسيس، الذي عُرف ببساطته، اختار خاتمًا من الفضة المذهبة بدلاً من الذهب، ليعكس روح التواضع التي ميزت عهده.

الدخان الأبيض والأسود: إشارات لاختيار بابا الفاتيكان الجديد
بعد وفاة البابا، يبدء مجمع الكرادلة سلسلة اجتماعات مغلقة لاختيار خليفة جديد ، وهي عملية تستغرق من 15 إلى 20 يوم يجرى الاقتراع داخل كنيسة سيستين، ويُعلن عن نتائجه من خلال الدخان المنبعث من مدخنة الكنيسة.
إذا لم يُتفق على مرشح معين، ينبعث دخان أسود، بينما يشير الدخان الأبيض إلى انتخاب بابا جديد. هذه الإشارة الرمزية، المعروفة بـ”الفوماتا”، هي لحظة ترقب عالمية، وتعود إلى القرن الثالث عشر عندما أسس البابا جريجوري العاشر قوانين المجمعات الانتخابية.
وقد تطورت تقنية إنتاج الدخان عبر السنوات لتجنب الالتباس، باستخدام مواد كيميائية تضمن وضوح اللون. فالدخان الأسود يُنتج باستخدام الكبريت والأنثراسين، في حين يصدر الدخان الأبيض من خلال مواد تولّد دخانًا خفيفًا وواضحًا.
هكذا، ومن خلال هذه الطقوس الدقيقة والمليئة بالرمزية، يشهد العالم لحظة مفصلية في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، حيث يتم طيّ صفحة عهد وفتح أخرى جديدة، في تتابع لا ينقطع منذ قرون.