في 22 أبريل/نيسان 2025، احتفل العالم بالذكرى الـ55 ليوم الأرض، مع مشاركة أكثر من مليار شخص في 192 دولة في فعاليات تهدف إلى تعزيز الوعي البيئي والعمل من أجل كوكب أكثر استدامة.
وبينما تُنظَّم فعاليات توعوية بيئية حول العالم، تُظهر الأرقام أن الأرض لم تعد تحتمل مزيدًا من الانتظار، فزيادة درجة الحرارة، وتدهور الموارد الطبيعية، والكوارث المناخية؛ أصبحت جزءًا من واقعنا اليومي.
وتزداد الظواهر بصورة غير مسبوقة، مما يفرض على الحكومات والشركات والمجتمعات اتخاذ إجراءات فورية وقوية لمواجهة هذه التحديات.
ومنذ عام 1982، ارتفعت درجة حرارة الأرض بمعدل 0.20 درجة مئوية لكل عقد، مما يشير إلى تسارع واضح في وتيرة الاحتباس الحراري.
وفي عام 2023، تجاوزت درجات الحرارة في العديد من أنحاء العالم متوسطاتها التاريخية، مما دفع العلماء إلى تحذير الحكومات من خطر تجاوز عتبة الـ1.5 درجة مئوية بحلول نهاية هذا القرن، وهو ما سيؤدي إلى تغيرات كارثية في النظام البيئي العالمي.
الأرض تحت ضغط تغير المناخ
شهد العالم خلال عام 2024 وبدايات عام 2025 سلسلة من الكوارث الطبيعية المتطرفة التي كشفت بوضوح عن هشاشة كوكب الأرض أمام تغير المناخ، على الرغم من الجهود المستمرة للتخفيف والتكيف.
ففي يونيو/حزيران 2024، دمّر إعصار "بريل" من الفئة الرابعة جزيرة كاريكو التابعة لغرينادا، متسببًا في تدمير أكثر من 90% من المباني، وانهيار شبه تام للبنية التحتية، في حين ما تزال جهود التعافي قائمة وسط ظروف معيشية صعبة.
وشهدت إسبانيا في المدة الممتدة من 29 أكتوبر/تشرين الأول إلى 16 نوفمبر/تشرين الثاني فيضانات مدمرة بفعل أمطار غير مسبوقة، أدت إلى مصرع 232 شخصًا وخسائر مادية ناهزت 11 مليار يورو (12.52 مليار دولار).
وفي أفريقيا، تعاني جنوب السودان منذ أغسطس/آب 2024 من فيضانات واسعة النطاق أثرت في أكثر من 735 ألف شخص وأدت إلى نزوح عشرات الآلاف، في واحدة من أولى حالات النزوح الجماعي المرتبطة مباشرة بتغير المناخ في المنطقة.
أما في الولايات المتحدة فقد صنّف تقرير صدر في أبريل/نيسان 2025 نهر المسيسيبي بوصفه أكثر الأنهار تهديدًا نتيجة التلوث الصناعي وتزايد الظواهر الجوية المتطرفة.
هذه الكوارث المناخية ليست إلا انعكاسًا لتدهور بيئي أعمق يطول أيضًا صحة الإنسان؛ إذ أظهرت بيانات عام 2023 أن البشر تعرّضوا إلى 50 يومًا إضافيًا من درجات الحرارة المرتفعة المهددة للحياة، مقارنة بما كان سيكون عليه الوضع لولا تغير المناخ.
وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن تتسبّب هذه التغيرات في وفاة أكثر من 14.5 مليون شخص بحلول عام 2050، مع خسائر اقتصادية تقدّر بـ12.5 تريليون دولار، ويُخشى أن يدفع هذا الواقع، خاصة في الدول النامية، أكثر من 44 مليون شخص إلى الفقر المدقع بحلول 2030 نتيجة التدهور الصحي والبيئي.
وتشير تقديرات مستقبلية إلى أن تغير المناخ وتلوث الهواء قد يؤديان إلى وفاة نحو 30 مليون شخص سنويًا بحلول نهاية القرن.
ومن جانب آخر، أظهر تقرير "كوكبنا الحي" لعام 2024 تراجعًا حادًا في أعداد الحياة البرية بنسبة 73% خلال الأعوام الـ50 الماضية، ما يُنذر بانهيارات بيئية قد تكون غير قابلة للاسترجاع.
هذه المعطيات تسلّط الضوء على الحاجة الملحة إلى العدالة المناخية، إذ تتحمّل الدول والمجتمعات الفقيرة العبء الأكبر رغم إسهاماتها الأقل في الانبعاثات، كما تبرز أهمية الاستثمار في التعليم المناخي والتقنيات المستدامة ونقل التكنولوجيا إلى الجنوب العالمي، لتقوية قدرات التكيف محليًا.
ورغم وجود اتفاقيات دولية مثل اتفاق باريس، فإن فجوة التنفيذ لا تزال واسعة، خصوصًا في دول الجنوب التي تعاني من ضعف في التمويل والتخطيط.
ومع كل ذلك، تبقى هناك نماذج واعدة، مثل مبادرة "السعودية الخضراء" ومشروع السد الأخضر في الجزائر، التي يمكن البناء عليها لإحداث تحول حقيقي نحو مجتمعات أكثر قدرة على الصمود في وجه أزمة المناخ العالمية.
من الوعي البيئي إلى الفعل المناخي
يوم الأرض ليس مجرد احتفال بيئي تقليدي، بل مناسبة سنوية لمساءلة سلوكنا الاستهلاكي الفردي والجماعي. إنه لحظة تأمّل نسأل فيها أنفسنا: كيف نعيش؟ ماذا نستهلك؟ وماذا نترك وراءنا للأجيال القادمة؟ فمع تسارع الكوارث المناخية، لم يعد الوعي كافيًا، بل بات من الضروري الانتقال من الاستدامة بصفتها فكرة إلى الاستدامة بصفتها ممارسة.
ويتطلّب التحول منظومة متكاملة تشمل تشريعات بيئية صارمة تقيّد الانبعاثات وتُلزم الشركات الكبرى بتطبيق معايير صديقة للبيئة، إلى جانب إعادة هيكلة السياسات الطاقوية باتجاه مصادر طاقة نظيفة ومتجددة.
كما أن الإعلام البيئي يؤدي دورًا محوريًا في هذه المعادلة، إذ يجب أن يتحلّى بالمسؤولية والمهنية، وينتج محتوى يعزّز ثقافة بيئية حديثة، ويواكب التحديات المتغيرة.
التربية المناخية أيضًا ضرورة ملحّة، تبدأ من المدارس، وتمتد إلى الجامعات والمؤسسات والمجالس النيابية، لتُشكّل وعيًا مناخيًا عابرًا للأعمار والقطاعات.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية المنصات الإعلامية المتخصصة مثل "منصة الطاقة"، التي تُسهم في الربط بين قضايا الطاقة والبيئة، وتقدّم محتوى يستند إلى الحقائق العلمية والبيانات الدقيقة، يخاطب الجمهور وصانع القرار على حد سواء.
فالمعركة ضد تغير المناخ تحتاج إلى إعلام بيئي مهني يواكب اللحظة، يُنير الطريق دون تهويل، ويطرح الحلول دون تبسيط أو تجميل.
هل ما يزال هناك متّسع من الوقت؟
الجواب الصريح هنا: نعم، لا يزال هناك متّسع، ولكن بشروط صارمة، فإنقاذ الكوكب لا يزال ممكنًا، لكنه لم يعد خيارًا بلا ثمن، بل أصبح مرتبطًا بإرادة سياسية واقتصادية وشعبية حقيقية، لا تقبل التأجيل ولا تكتفي بالشعارات.
ولم يعد يوم الأرض مجرد مناسبة رمزية، بل محطة تذكير سنوية بضرورة التحوّل العاجل من الكلام إلى الفعل، ومن النوايا الحسنة إلى السياسات الفاعلة.
وما نحتاج إليه اليوم هو التزام عالمي يربط بين العدالة المناخية والإنصاف التنموي، وتضامن حقيقي لا يُقصي الجنوب العالمي، بل يضعه في صلب الحلول، فالتأخر لم يعد ترفًا، وكل عام نفوّته دون إجراءات ملموسة يحمّلنا تكلفة بيئية وبشرية باهظة.
يوم الأرض ليس نهاية المطاف، بل نقطة بداية يجب أن تُكرر كل يوم، وتُترجم إلى تحولات في أنماط الإنتاج والاستهلاك، وإلى قرارات جريئة تضع كوكب الأرض في صدارة الأولويات.
* د. منال سخري - خبيرة في السياسات البيئية والتنمية المستدامة
* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..