تعددت المواقف الفرنسية التى تؤكد على رفض تهجير الفلسطينيين واتساقها مع الرؤية التى تطالب بحق الشعب الفلسطينى فى دولته المستقلة؛ وكذلك تبنت المواقف الفرنسية على تعددها الرؤية المصرية والعربية الرافضة للتهجير والإسراع بإعادة إعمار غزة؛ وتتجلى المواقف الفرنسية فيما أوضحه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى الثلاثين من مارس الماضى بأن فرنسا تدعم الخطة العربية لإعادة إعمار غزة مع رفض التهجير القسرى لأهالى القطاع، مُشدداً على رفضه التهجير القسرى للفلسطينيين.
وشدد الرئيس الفرنسى على ضرورة احترام إرادة مصر والأردن فى رفض تهجير الفلسطينيين، وأن تهجير الفلسطينيين يشكل خطرا على أمنهما القومي، وبأنه لا يمكن إخبار ٢ مليون فلسطينى أن عليهم ترك أرضهم والرحيل، فالشعب الفلسطينى له حقوق تاريخية أقرتها المعاهدات. وتتابعت المواقف الفرنسية فعلى هامش لقاء وزير الخارجية المصرى بدر عبد العاطى بالرئيس الفرنسى خلال الاجتماع الوزارى حول سوريا الذى عقد فى باريس يوم الخميس ١٣ فبراير ٢٠٢٥، أكد الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، دعم فرنسا لجهود جمهورية مصر العربية التى تهدف إلى دعم الأمن والاستقرار فى قطاع غزة، مشيرًا إلى تأكيده على ضرورة بقاء الفلسطينيين على أرضهم.
وكذلك خلال اتصال هاتفى للرئيس الفرنسى مع الرئيس عبد الفتاح السيسى فى يوم ٥ فبراير، حذر الرئيسان من أى تهجير قسرى للشعب الفلسطينى فى غزة أو الضفة الغربية المحتلة، ووصفا ذلك بأنه سيكون " غير مقبول"، ووفق بيان الرئاسة الفرنسية، اعتبر الرئيسان أن ذلك سيُشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولى وعقبة أمام حل الدولتين، وعاملا رئيسياً لزعزعة الاستقرار فى مصر والأردن.
على مستوى وزارة الخارجية
وفى فبراير عام ٢٠٢٤ استقبل الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي، وزير الخارجية الفرنسى حينها "ستيفان سيجورنيه"، حيث بحثا الحرب فى غزة، وسبل وقف إطلاق النار فى القطاع، وأعلنا رفضهما التام لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وأكدا أهمية الدور المحورى لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وأعلن وزير الخارجية الفرنسى تأييده الموقف المصرى الرافض؛ لتهجير المواطنين الفلسطينيين،
وفى مؤتمر صحفى مع وزير الخارجية المصرى فى ذلك الوقت " سامح شكري"، أعرب سيجورنيه عن رفضه تعرض سكان قطاع غزة المحاصر لأى "تهجير قسري" إلى شبه جزيرة سيناء شمال شرق مصر، تحت ضغط الحرب فى القطاع، وأنه يتفهم القلق والمخاوف بشأن التهجير القسرى لسكان غزة، مُشدداً على أن " موقف فرنسا ثابت فى هذا الصدد، إذ ندين ونرفض أى إجراءات تتخذ فى هذا الاتجاه".
حل الدولتين
وعن الحلول المقترحة أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، فى يناير ٢٠٢٥ أن اقتراح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بتوطين سكان غزة فى الدول العربية يتناقض مع مفهوم التعايش السلمى بين دولتين ذات سيادة، إسرائيل وفلسطين، والذى تدعو إليه فرنسا، واعتبرت باريس أن أيّ تهجير قسرى لفلسطينى غزة "غير مقبول".
وقال وزير الخارجة الفرنسى عبر أثير محطة راديو "سود": "تؤكد مصر والأردن دائماً أنهما ضد مثل هذا الحل، أما بالنسبة لفرنسا فنحن واثقون بأن تحقيق السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط يتطلب حل الدولتين، حيث تعيش فلسطين جنباً إلى جنب مع إسرائيل"، وإن تهجير الفلسطينيين إلى الدول المجاورة، إذا كان يمكن أن نسمى هذا على هذا النحو، يبدو لى غير متوافق مع هذا القرار".
كما أكدت وزارة الخارجية الفرنسية دعمها لرفض تهجير الفلسطينيين فى الخامس من فبراير الماضى ، موضحة أنه "يجب النظر إلى مستقبل غزة من منظور دولة فلسطينية مستقلة تحت رعاية السلطة الفلسطينية، وليس من منطلق سيطرة دولة ثالثة". وأعربت الوزارة عن معارضة فرنسا الشديدة "لأى تهجير قسرى للفلسطينيين من غزة"، مؤكدة أن مثل هذا الإجراء "سيشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولى وعقبة كبيرة أمام تحقيق حل الدولتين".
وشددت الخارجية الفرنسية على أن هذه المقترحات لا تهدد فقط فرص السلام فى المنطقة، بل تمثل أيضاً "عاملاً رئيسياً لزعزعة الاستقرار" لدى شركاء أوروبا المقربين، مصر والأردن، حيث أثيرت فكرة إمكانية نقل سكان غزة إليهما.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية كريستوف لوموان فى بيان "فرنسا تكرر معارضتها لأى تهجير قسرى للسكان الفلسطينيين فى غزة، والذى من شأنه أن يشكل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي، وهجوما على التطلعات المشروعة للفلسطينيين، ويعد أيضا عقبة رئيسية أمام حل الدولتين وعاملا رئيسيا لزعزعة استقرار شريكينا المقربين، مصر والأردن، والمنطقة بأسرها أيضا".
من جهته؛ أعلن وزير خارجية فرنسا فى ٢٨ يناير ٢٠٢٥ بأن أى تهجير قسرى للفلسطينيين من قطاع غزة سيكون غير مقبول، وأضاف وزير الخارجية الفرنسي، أن فكرة توطين الغزيين فى دول أخرى لا تتوافق مع القرارات الدولية.
الموقف الفرنسى غير الرسمي
اتساقًا مع الموقف الفرنسى الرسمى الرافض لمقترح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة، والداعم لحل الدولتين، جاء الموقف غير الرسمى ليعبر أيضًا عن ذلك الرفض، ويعتبر ما يحدث بمثابة إبادة جماعية، وانتهاك للقوانين والأعراف الدولية، وتقويض لحل الدولتين.
مؤشرات داعمة
وهناك العديد من المؤشرات التى تبناها المجتمع الفرنسى على المستوى غير الرسمى لمساندة القضية الفلسطينية أو رفضًا لمسألة تهجير الفلسطينيين من غزة، وهو ما يمكن الإشارة إليه على النحو التالي:
المظاهرات الطلابية
شكلت المظاهرات الطلابية التى اجتاحت العديد من الجامعات الأمريكية والأوروبية رفضًا لمقترح التهجير الذى طرحه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، حيث نظم عدد من طلاب الجامعات الفرنسية فعاليات متعددة ما بين مظاهرات واعتصامات للمطالبة بوقف إطلاق النار فى غزة منها معهد العلوم السياسية بباريس، ومعهد الدراسات السياسية فى ليل، ومعهد الصحافة فى ليل، وجامعة جرونوبل ،وكذلك طلاب جامعة السوربون ففى مطلع مايو ٢٠٢٤ اعتصم عدد من طلاب السوربون فى مدرجات الجامعة لمساندة القضية الفلسطينية، ومطالبين إدارة الجامعة بقطع جميع علاقاتها الأكاديمية بمثيلاتها الإسرائيلية.كما هتف الطلاب المتظاهرون بشعارات تتهم الغرب بخيانة قيم العدل والديمقراطية والتورط مع إسرائيل فيما وصفوه بجريمة الإبادة التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية.
تضامن الاحزاب
تتضامن العديد من الأحزاب الفرنسية مع القضية الفلسطينية وفى مقدمة تلك الأحزاب اليسارية حزب فرنسا الأبية، الذى يدعو إلى وقف إطلاق النار فى غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية،ويساند عبر ممثليه داخل البرلمان الفرنسى مسألة حل الدولتين، ويرفض مقترح التهجير، ففى ١٧ فبراير ٢٠٢٥ أكد عضو البرلمان الفرنسى عن حزب فرنسا الأبية إريك كوكريل لقناة القاهرة الإخبارية أن مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة يعد جريمة ضد الإنسانية، وتخالف القانون الدولي. وتهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، معتبرًا أن سياسة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تقوم على التحالف الاستراتيجى تجاه إسرائيل. كما اقترح تنفيذ تحرك دبلوماسى منسق داخل مجلس الأمن، وإصدار قرارات تعارض تهجير الفلسطينيين ومن ذلك التنسيق بين البرلمان الفرنسي، والبرلمانات الدولية، وتنظيم مؤتمرات عديدة لوقف مخططات التهجير.
الصحافة والمواقع الفرنسية
غلب على تناول الصحف والمواقع الفرنسية لمقترح ترامب حول تهجير الفلسطينيين بأنه يعد بمثابة تطهير عرقي. فعلى سبيل المثال وعقب طرح ترامب للمقترح تناولت ثلاثة من المواقع الفرنسية الكبيرة المقترح تحت عناوين مثيرة ، فقالت "ليبراسيون" إن المستوطن ترامب يثير مخاوف عالمية، ورأى "ميديا بارت" .أن ترامب يدعو إلى التطهير العرقى فى غزة. فى حين تساءلت لوبس: لماذا يدفع ترامب بفكرة جديدة شنيعة. هذا التناول يعكس اتجاها للرأى العام الفرنسى يرفض مقترح ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة، وهو الاتجاه الذى يتبلور بشكل واضح لدى الفرنسيين من أصول عربية وإسلامية.
فرص داعمة
إذا كان الموقف الفرنسى غير الرسمى رافضًا لمقترح التهجير، فإن ثمة فرصا يمكن أن يسهم بها المجتمع الفرنسى بشكل عام على أرض الواقع، لترجمة تلك المواقف الرافضة إلى سياسات واقعية، وأهمها: تبنى حملات إعلامية لإعادة الإعمار فى غزة: أدت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى انهيار البنية الأساسية للقطاع، حيث تشير التقديرات إلى تدمير ٧٠٪ من مبانى القطاع. كما تشير تقارير الأمم المتحدة التى صدرت مطلع فبراير ٢٠٢٥ إلى أن إعادة إعمار قطاع غزة الذى دمرته الحرب بين إسرائيل وحماس تتطلب أكثر من ٥٣ مليار دولار، بينها أكثر من ٢٠ مليار دولار على مدى الأعوام الثلاثة الأولى.وهى الأوضاع التى تحتاج لتكاتف المجتمع الدولي، وفى مقدمتها الدول الكبرى بحيث يتم إعادة الإعمار وتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين فى غزة. على ذلك من الممكن أن تتبنى فرنسا الرسمية وغير الرسمية سلسلة من الحملات الإعلامية داخل أوروبا، لمساندة إعادة إعمار قطاع غزة. وأيضا تشكيل رأى عام فرنسى داعم لحل الدولتين حيث يشكل حل الدولتين المسار الأنسب لتسوية الصراع الفلسطينى الإسرائيلي، وهو المسار الذى يلقى دعمًا من معظم الدول العربية، والمجتمع الدولى بشكل عام. فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ٢٦ نوفمبر ٢٠١٢ قرارًا بالموافقة على منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو فى الأمم المتحدة،ودعا مجلس الأمن إلى النظر بشكل إيجابى فى قبول طلب دولة فلسطين دولة كاملة العضوية فى الأمم المتحدة.
