أخبار عاجلة
عباس يطالب "حماس" بتسليم السلاح -
إنفوجراف.. تعريف على كليات جامعة طنطا الأهلية -

الإسلام السياسي يعيد تسويق مشروعه على جثث الغزيين

الإسلام السياسي يعيد تسويق مشروعه على جثث الغزيين
الإسلام السياسي يعيد تسويق مشروعه على جثث الغزيين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في خضم التحولات الإقليمية التي أطلقها طوفان الأقصى، برزت أوراق عديدة تحاول قراءة اللحظة التاريخية وإعادة توصيف مواقع الفاعلين فيها، لكن تبقى بعض الأوراق بحاجة لقراءة نقدية تفكّك خلفياتها الأيديولوجية وأهدافها الكامنة. من بين هذه الأوراق، تأتي ورقة مركز "حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية"، والتي تقدّم نفسها كتحليل استراتيجي لمرحلة ما بعد العدوان على غزة، لكنها في جوهرها تمثل محاولة لإعادة تدوير خطاب الإسلام السياسي في عباءة المقاومة.

غطاء استراتيجي لمشروع الخلافة

تحمل الورقة الصادرة عن مركز "حريات" – الذي يرأسه طارق الزمر، أحد أبرز وجوه الإسلام السياسي المتطرف، والمصنّف على قوائم الإرهاب الدولية – طابعًا يتجاوز مجرد تقديم تحليل سياسي للأحداث. فهي ليست قراءة موضوعية لما بعد طوفان الأقصى، بل وثيقة أيديولوجية موجهة، تسعى لإعادة بثّ مشروع "دولة الخلافة" في جسد المنطقة، مستثمرةً لحظة تعاطف شعبي حقيقي مع المقاومة الفلسطينية، لإعادة إحياء سردية الإسلام السياسي وتثبيتها في المشهد الإقليمي الجديد.

بدلًا من أن تتوقف الورقة عند حدود قراءة التحول في الرأي العام العربي والدولي، وتقديم حلول ملموسة تخدم القضية الفلسطينية، تذهب إلى محاولة تذويب هذا الزخم الشعبي في مشروع أوسع، يقوم على ربط المقاومة المسلحة بالمشروع الإسلاموي، الذي لطالما سعى إلى السيطرة على المجتمعات من داخلها. بهذا الشكل، يتحوّل "التحرر" في الخطاب إلى وسيلة لا غاية، غايته الحقيقية هي فرض نموذج ديني شمولي، يوظف مشاعر الغضب الشعبي لتمرير أجندته العقائدية والتنظيمية.

تُقدّم الورقة مفاهيم مثل الكرامة والحرية والعدالة بوصفها قيمًا كونية، لكنها تُعيد تأطيرها ضمن المنظور الإسلاموي القديم، الذي يختزل هذه المفاهيم في مشروع "الحكم الإسلامي" بصيغته التنظيمية والسلطوية. فليست الحرية المقصودة هي حرية التفكير أو التنوع السياسي، بل هي "حرية الأمة" من الهيمنة الغربية – كما تراها الورقة – بينما تبقى الهيمنة الداخلية عبر التنظيمات فوق المجتمعية مشروعة ومطلوبة. هكذا، تتحوّل القيم الإنسانية العامة إلى أدوات دعاية لمشروع الخلافة، لا أُسسًا لدولة مدنية حقيقية.

تبدو دعوة الورقة إلى "إعادة التموضع" للحركات الإسلامية وكأنها لحظة مراجعة ذاتية، لكنها في الواقع إعادة تدوير للخطاب والأدوات دون مساس بجوهر المشروع التنظيمي. فهي لا تتحدث عن مراجعة نقدية لتجربة الإسلاميين في الحكم أو عن فشل مشروع التمكين، بل تدعو إلى دمج المقاومة في الخطاب الإسلاموي كمحرّك تعبوي جديد، يُمكّن التنظيمات من العودة إلى الواجهة من بوابة "تحرير فلسطين"، بينما تظل أسس السيطرة على المجتمعات كما هي: تنظيم محكم، قيادة فوقية، مشروع شمولي مغلّف بقيم فضفاضة.

تجاوز الدولة.. لا الأنظمة

تُعدّ دعوة الورقة إلى "الاندماج المجتمعي الكامل" و"التحالفات العابرة للحدود" تعبيرًا واضحًا عن نزعة عابرة للدولة، تتجاهل مفهوم الدولة الوطنية الحديثة بوصفها الإطار السياسي والقانوني الجامع للمجتمع. هذه الدعوات لا تتأسس على مراجعة نقدية لتجربة الدولة العربية، أو طرح مشروع إصلاحي جاد، بل تأتي في سياق ترويج مشروع بديل يتجاوز السيادة الوطنية، ويفتح الباب نحو مشروع أممي فضفاض لا يستند إلى شرعية دستورية أو مؤسساتية، بل إلى شرعية أيديولوجية يحددها التنظيم وحده.

لا تقدم الورقة أي تصور لبناء الدول أو إصلاحها من الداخل، بل تسعى إلى تجاوزها بالكامل لصالح ما تسميه "مشروعًا حضاريًا تحرريًا". غير أن هذا المشروع، كما تقدمه الورقة، يفتقر لأي معالم واضحة أو محددة، ويبدو أقرب إلى خطاب تعبوي حالم يروّج ليوتوبيا الخلافة، دون الاعتراف بتعقيدات الواقع السياسي، أو الحاجة إلى العمل من داخل النظام السياسي القائم لإحداث التغيير. في جوهره، هو خطاب ينسف مبدأ الدولة الحديثة، لا لأنه يعارض الأنظمة، بل لأنه يرفض أصل الفكرة.

الورقة لا تتحدث عن تحالفات وطنية مبنية على برامج سياسية واضحة أو رؤى ديمقراطية، بل عن "قوى تغيير حقيقية" – مصطلح مطاطي يُستدعى غالبًا لتبرير تحالفات أيديولوجية مع قوى الإسلام السياسي العابرة للحدود، وعلى رأسها التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين. هذه "القوى" لا تمثل حراكًا وطنيًا حقيقيًا، بقدر ما تعيد تدوير الحرس القديم للتنظيم، وواجهاته الإعلامية والفكرية، التي لا تزال عالقة في زمن السبعينيات، وتعيد إنتاج نفس الشعارات رغم تغير السياقات.

في الوقت الذي تتقدم فيه شعوب المنطقة بنقاشات معقدة حول إصلاح الدولة، وتحديث النظام السياسي، وبناء عقد اجتماعي جديد، تقف هذه الورقة عند حدود خطاب قديم بثوب جديد. فهي ترفض الواقع دون أن تقدم بديلاً واقعيًا، وتستدعي مشروعات كبرى بحمولة رمزية – كـ"الخلافة" و"التحرر الحضاري" – لكنها تخلو من أي خطة عملية. بهذا المعنى، فإن الطرح الذي تقدمه الورقة ليس مشروعًا سياسيًا، بل خطابًا هروبيًا من الواقع، يروّج لنموذج شمولي ماضوي، لا مكان له في العالم المعاصر.

خطاب يتجنب المراجعة وينكر الفشل

من أبرز ما يثير الانتباه في ورقة مركز "حريات" هو غياب أي إشارة صريحة أو ضمنية إلى إخفاقات الحركات الإسلامية خلال العقدين الماضيين. لا تجد فيها مراجعة نقدية لفشل هذه الحركات في إدارة السلطة حين وصلتها، أو لعجزها عن تقديم نماذج حكم فعالة ومتوازنة. بل يتم تجاوز تلك المرحلة كما لو كانت تفصيلًا عابرًا في مسيرة نضالية طويلة، في حين أنها كانت – في نظر كثير من المراقبين – لحظة كاشفة عن هشاشة البناء السياسي والفكري لهذه الحركات، وتناقضاتها بين الشعار والممارسة.

الورقة تتجاهل أيضًا ما اتسمت به مواقف العديد من الحركات الإسلامية من تذبذب في أزمات وصراعات مفصلية على مستوى الإقليم. ففي الوقت الذي كانت فيه الشعوب تبحث عن مواقف أخلاقية ومبدئية، اتخذت هذه الحركات مواقف رمادية، تارة بحجة "الوساطة"، وتارة أخرى باسم "عدم الانحياز"، بينما كانت في الواقع تحاول موازنة علاقاتها مع أطراف متناقضة حفاظًا على مصالحها الضيقة. هذا التواطؤ أو الصمت المريب حيال الاستبداد والقمع الذي مارسته بعض الأنظمة أو الميليشيات المدعومة إقليميًا، لا يجد له أي ذكر أو تفسير في الورقة.

الأدهى من ذلك أن بعض فصائل الحركات الإسلامية انخرطت في تحالفات مشبوهة مع أنظمة أو أطراف غير ديمقراطية، بل وقمعية، لمجرد أنها تقف على خصومة مع أنظمتهم أو خصومهم التقليديين. هذا التوظيف الانتهازي للتحالفات يُظهر تلوّنًا سياسيًا وغيابًا لأي رؤية مبدئية تُقدّم مصلحة الشعوب على مصلحة التنظيم. ومع ذلك، لا تتطرق الورقة إلى هذه الانزلاقات، ولا تُقدّم أي تعهد واضح بالقطع مع هذه الممارسات، بل تتعامل مع الماضي كمنطقة معفاة من المحاسبة.

في نهاية الورقة، يُطرح "الخطاب الجامع" كحل سحري قادر على استعادة الثقة، دون تحديد من سيقود هذا الخطاب، أو ما المرجعية التي يستند إليها، أو كيف يمكن أن يجمع فعلًا بين تجارب متناقضة وتنظيمات تحمل رؤى متصارعة. الدعوة إلى "بدائل واقعية" لا ترافقها خطة انتقالية أو خارطة طريق، بل تأتي كجزء من خطاب تعبوي يتجنب الأسئلة الصعبة: من يتحمّل المسؤولية؟ ومن يُراجع من؟ وتحت أي مظلة تُصاغ هذه البدائل؟ هذه الثغرات تُشير إلى رغبة في القفز على المحاسبة باسم الوحدة، وهو ما يُفرغ الخطاب من مضمونه، ويُعيد إنتاج نفس الإشكالات.

بين غزّة والتنظيم… من يحرّر من؟

غزة، بما تحمله من صلابة في المواجهة وعمق في المأساة، أصبحت – دون إرادتها – مادة خام للتوظيف السياسي والأيديولوجي. فبينما يخوض أبناؤها معركة وجودية تحت القصف والدمار، يلتقط منظّرو الإسلام السياسي هذه اللحظة لصياغة أوراق استراتيجية ناعمة، تُعيد تموضعهم في المشهد من بوابة المقاومة. هنا، تتحوّل غزة من قضية شعب يناضل من أجل البقاء والحرية، إلى أداة رمزية تُستخدم في تلميع مشاريع سياسية وتنظيمية فقدت بريقها منذ زمن.

اللافت أن الخطاب الذي تقدّمه مراكز كـ"حريات" لا يكتفي بالتضامن مع غزة، بل يتجاوز ذلك إلى استثمار الحدث لصالح إحياء مشروع الخلافة بصيغته المحدثة. فيُعاد تغليف الطموح الإسلاموي بخطاب عن التحرر والعدالة والكرامة، وكأن غزة ليست كيانًا سياسيًا واجتماعيًا قائمًا بذاته، بل بوابة عبور لمشروع تنظيمي عالمي أوسع. هكذا تتحوّل دماء الغزيين إلى رأس مال رمزي يُصرف في بورصة الشرعية الأيديولوجية للتنظيمات.

ما تحققه غزة من تعاطف جماهيري عربي وإسلامي هائل لا يعني تلقائيًا منح تفويض سياسي لحركات وتنظيمات تتحدث باسمها. ثمة فارق بين دعم نضال الشعب الفلسطيني من موقع إنساني ووطني، وبين اختطاف معاناته لتمرير مشروع سياسي يتجاوز حدود الدولة الوطنية، ويستدعي تاريخًا مؤدلجًا من الانقلابات والتغوّل التنظيمي. ومع ذلك، تحاول بعض مراكز الإسلام السياسي تجاوز هذا الفارق، واختزال المشهد في سردية "نحن وهم"، حيث تقف المقاومة مع التنظيم، ويُختزل الشعب في فصيل.

السؤال الذي يطرحه هذا التوظيف المنهجي للمأساة هو: من يحرر من؟ هل التنظيم هو من يحمل غزة على كتفيه، أم أن غزة هي من تعيد إليه الحياة بعد موت سريري؟ في هذا المشهد المقلوب، تتحوّل غزة من رمز مقاومة حقيقي إلى جسد يُستعمل مرة أخرى لإعادة بعث سرديات فكرية وتنظيمية قديمة، لا تجد لنفسها مكانًا إلا في لحظات الدم والدمار. وهنا يكمن الخطر: حين تصبح المقاومة منصة عرض لأجندات أيديولوجية تتجاوز حدودها وسياقاتها الوطنية.

خلاصة.. لحظة كاشفة لا لحظة توظيف

ورقة مركز "حريات" ليست ورقة استراتيجية بريئة، بل هي وثيقة أيديولوجية تسعى إلى تمرير مشروع سياسي تحت غطاء دعم المقاومة. إنها لا تقرأ التحولات بعيون الشعوب، بل تحاول توظيف دماء الشعوب لاستعادة شرعية تيار انتهت صلاحيته في أكثر من ساحة. إن لحظة طوفان الأقصى هي لحظة كشف – كما قالت الورقة – لكن ما كُشف هنا هو محاولة اختطاف هذا الزخم الشعبي لمصلحة مشروع قديم بثياب جديدة… مشروع لا يريد تحرير فلسطين بقدر ما يريد ركوب الموجة لبناء الخلافة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق زوجة ضحية منوف تكشف مفاجأة بشأن الفتاة المضبوطة مع المتهم في وضع "مخل"
التالى بيراميدز يتعادل أمام أورلاندو بالشوط الأول والحكم يلغي هدف للكونغولي ماييلي