أخبار عاجلة

"الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين

"الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين
"الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين

يشغل “الإيقاع المتسارع للتاريخ” أكاديمية المملكة المغربية في دورتها الخمسين، التي تتناول آثاره على “بُنى المعرفة، والهوية، والوجود”، وتستشرف مساراته. ويتزامن تنظيم هذه الدورة مع الذكرى العاشرة لإعادة تنظيم الأكاديمية. وقد افتُتِحت فعالياتها، الثلاثاء، ومن المرتقب أن تستمر مداخلات أعضائها المقيمين والشرفيين، المنتمين إلى أربع قارات، يومي الأربعاء والخميس.

إيقاعٌ متسارع

قال عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، إن هذه الدورة الخمسين قد اختارت موضوع “تسارع التاريخ” تأكيدًا على “الحاجة الملحة إلى إنصاتٍ عميق للتحولات الكبرى التي تعيد تشكيل ملامح عالمنا، وما تنطوي عليه من أسئلة وإمكانات تستدعي تفكيرًا مشتركًا وحوارًا خلّاقًا”.

وأضاف: “ليس اللقاء مجرد احتفاء بمحطة أكاديمية بارزة، بل هو تعبير عن وعي جماعي بضرورة استحضار التغيرات المتسارعة، واستيعاب أبعادها، واستشراف مساراتها الممكنة؛ لبناء مستقبل أكثر توازنًا مع تطلعات الإنسان وقيمه”.

وذكر أن هذه الدورة “تعبّر عن إحساس يقظ بمفارقات الزمن الراهن؛ حيث لم يعد التاريخ يتحرك بإيقاع خطيّ هادئ، بل أصبح خاضعًا لوتيرة متسارعة تعيد تشكيل الوعي والوجود الإنسانيين، مما يستوجب التفكير في آليات التحول وتأثيرها على مسارات المجتمعات، وآليات التكيّف بوعي مستنير”.

وتابع: “لم يعد التقدّم سيرورةً متدرجة، بل سلسلة من الفقرات المتلاحقة، وقطائع معرفية، وتحولات جذرية، مما جعل استحضار الحاضر نفسه مشوبًا بالالتباس”، مشيرًا في هذا السياق إلى “تساؤلات جوهرية حول طبيعة الزمن، واستيعاب الإنسان للطفرات المتواصلة للحداثة”.

استند لحجمري في كلمته إلى معالجات لظاهرة تسارع التاريخ في الكتابات العربية، مثل ابن خلدون في “المقدمة”، الذي بيّن في تحليله لنشوء الدولة وسقوطها، أن الزمن لا يسير بوتيرة ثابتة، بل يتسارع في اللحظات الأخيرة من عمر الدول، بحيث تفوق سرعة الأحداث مرحلة النشوء والتطور. أما المسعودي في “مروج الذهب”، فقد لاحظ تلاحق الأحداث في بعض الحقب الزمنية، لا سيما في العصر العباسي الأول، الذي عرف تطورات واختراعات فكرية وعلمية. وكذلك ابن الأثير في “الكامل في التاريخ”، عند وصفه لاجتياح المغول للعالم الإسلامي، والسرعة المفاجئة لانهيار الممالك الإسلامية أمام الزحف المغولي، الذي بلغ حداً جعل الناس يرونه نذيرًا بنهاية العالم.

وبالتالي، “أدرك المؤرخون العرب القدامى أن التاريخ قد يشهد تسارعًا في أحداثه خلال التحولات الكبرى، رغم أن مفهوم تسارع التاريخ لم يكن مصوغًا بالدلالات الحديثة، إلا أنهم رصدوا ظواهره بدقة، في اكتشاف إيقاعات التاريخ المتغيرة”.

ويرى لحجمري أن تصورات نهاية التاريخ وتسارع التاريخ، رغم تباينها الظاهري، إلا أنها “متداخلة، وتكشف أن التاريخ ميدان صراع بين الثبات والتغير”، مستشهدًا في ذلك بتصور هيغل لاكتمال التاريخ في الدولة الحديثة، ثم فوكوياما الذي رأى في نهاية الصراع الأيديولوجي تحقيقًا لليبرالية كنهاية للتاريخ.

ويضيف المحاضر أن “نهاية التاريخ وَهمٌ يولّده تسارع الأحداث نفسه، فكلما توهمنا نقطة استقرار، تتبدد تحت تأثير التحولات المتسارعة”، مشددًا على أن الاصطدام بالواقع “يفرض منطقًا مختلفًا، يعبّر عنه في تحولات تقنية واقتصادية واجتماعية… تؤدي إلى تفكيك مستمر للبنى التي تبدو مستقرة”.

وعليه؛ فإن “تسارع التاريخ نفيٌ للاكتمال، ويكشف هشاشة كل بنية يظن أصحابها أنها تمثل المرحلة النهائية”، لأننا “لا نعيش نهاية واحدة، بل نهايات متكررة، تفسح المجال لأخرى… فهي جزء من سيرورة دائمة لا تتوقف”.

وفي الوقت الراهن، يوضح لحجمري أن “التسارع التكنولوجي أعاد تعريف الزمن التاريخي، وأحدث تحولًا عميقًا في إدراكنا للزمن، الذي لم يعد مقتصرًا على تعاقب خطي للأحداث… وتلاشت الفواصل بين المسافات… وأعادت السرعة والتدفق المستمر للمعلومات تشكيل تصورنا للواقع والتاريخ”.

ومنذ “انبثاق العصور الحديثة، خاصة منذ العصور الصناعية”، لم يعد الزمن يُتصور ثابتًا أو دوَارانيًا، بل ذا “حركية متسارعة… مما أعاد تشكيل العلاقة مع الماضي والحاضر، وفقد الماضي طابعه الحتمي وصار مجالًا للتفسير والتجاوز… ولم يعد تسارع التاريخ مقتصرًا على التحولات الكبرى، بل شمل التحول الاقتصادي المتسارع، مع تغيرات تتوالى بوتيرة غير مسبوقة… مفرزة تاريخًا متغير الإيقاع. وكل تسارع اقتصادي يولّد ضغوطًا على الأنظمة البيئية والبشرية، مما يجعل التباطؤ مرحلة ضرورية لضبط المسار”.

ومع هذه التغيرات السريعة في الاقتصاد والسياسة والاجتماع، وما تفرضه من نوع “من الاستجابة الفورية التي تعيق كل تفكير طويل المدى”، تبرز تساؤلات من قبيل: كيف تحافظ المجتمعات على قيمها الإنسانية؟ وما دور الفلسفة والفكر في تفاعل الإنسان مع إيقاعات الزمن المعاصر؟ لأن “التسارع، في جوهره، يضع الإنسانية جمعاء في مفارقة وجودية: هل يظل الإنسان فاعلًا في صنع مستقبله، أم مستلبًا؟”، مما يستدعي “إعادة التفكير في الفعل التاريخي: هل نحن من يصنع التاريخ؟ أم التاريخ هو من يعيد تشكيل الإنسان ومعاييره الإدراكية؟ أم أنه يغدو أسيرًا لحركيته العمياء، فاقدًا للقدرة على التريث والتأمل؟”.

وختم لحجمري كلمته بالقول: “التاريخ لا يُكتب بالسرعة فقط، بل بالحكمة التي تميّز بين التحولات الزائدة وتلك التي تُشكّل المستقبل على أسس راسخة”.

تسارع التاريخ البيئي

جون ماكنيل، الأستاذ بجامعة جورج تاون الأمريكية، والمؤرخ البيئي، الذي تقتضي حرفته المعرفية “الانتباه للعلاقة بين العالم الطبيعي والمجتمعات الإنسانية التي تستند إليه”، قال في محاضرته الافتتاحية إن “من جوانب تسارع التاريخ، تسارع التاريخ البيئي، وقلب المسألة هو المنظومة الطاقية، خاصة التي بُنيت في السنوات الخمس والسبعين الأخيرة، والنتائج المناخية لهذه المنظومات”.

تحدث المحاضر عن سنوات التسارع منذ خمسينيات القرن العشرين، وعن القوى السياسية والاقتصادية التي “كانت وراء هذه التغييرات” المنعكسة على المناخ، مضيفًا: “علينا النظر في المنظومة الطاقية، ووضع الطاقات الأحفورية، خاصة، في صلب مسألة التسارع الكمي… التي وضعتنا على هذا المسار في التاريخ البيئي”.

ولإيضاح مدى “التسارع”، عاد المؤرخ إلى التاريخ الممتد للبشرية، الذي عرف “نموًا طفيفًا في استخدام الطاقة” قبل سنوات 1890، التي شهدت نموًا متوسطًا بفضل الثورة الصناعية، لينطلق التسارع الكبير سنة 1950، بعد الحرب العالمية الثانية.

عرف هذا الواقع العالمي “انتقالات طاقية”، منها الانتقال من الوقود الحيوي إلى الفحم، ثم النفط، الذي صار منذ ستينيات القرن الماضي “مصدر الطاقة الأساسي للإنسان”.

وقال ماكنيل: “كانت أول طاقة استعملها أسلافنا، خارج أجسادهم، هي النار، قبل نصف مليون أو مليون سنة، ثم جاء حجر الأساس الآخر بعد ذلك، وهو تطوير القدرة على استخدام الحيوانات لجر العربات وأداء الأعمال بعد تدجينها، ثم الطاقة الريحية لاحقًا… وصولًا إلى القرن التاسع عشر، حيث أحدث الفحم ثورة في استعمال الطاقة والعمل والصناعة… واختُرع المحرك البخاري، مما عزز الانتشار الجيوسياسي لبريطانيا… وبعد عام 1920، انضم النفط إلى قائمة الطاقات المتاحة، ليصبح في صميم التوسع الاقتصادي والجيوسياسي للولايات المتحدة… وهيمن هذا البترول بعد الحرب العالمية الثانية، في أوروبا واليابان، ثم في معظم آسيا وأمريكا اللاتينية”.

وأضاف: “الصين لم تعتمد تفضيلًا خاصًا للطاقات الأحفورية، وقد يتغير هذا الوضع نظرًا لاستثماراتها في الطاقة الشمسية والريحية، مما قد يجعل هذا النظام الطاقي القادم مفتاح نجاحها الجيوسياسي… لكن هذا في المستقبل”.

وفي معرض رده على سؤال الموسيقار والباحث مارسيل خليفة، حول إغفال أثر الحروب على البيئة، مثل ما حدث في جنوب لبنان وغزة، قال ماكنيل: “لكل الحروب آثار مناخية”، بل إن “المناخ والطاقة” قد يُتخذان “مبررين لشنّ الحروب”.

" frameborder="0">

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق "لوكهيد مارتن" تعزز الحضور بالمغرب
التالى مبدعون قادمون.. معرض تشكيلي لثلاثة فنانين شباب بجاليري ضي الزمالك الأحد