أخبار عاجلة
الصحفي أحمد منصور.. شهيد التهمته النيران -

قصبة مسون في جرسيف .. معلمة تاريخية تحتاج الإصلاح وإعادة التأهيل

قصبة مسون في جرسيف .. معلمة تاريخية تحتاج الإصلاح وإعادة التأهيل
قصبة مسون في جرسيف .. معلمة تاريخية تحتاج الإصلاح وإعادة التأهيل

حينما تتجاوز منطقة بولجراف والفحامة شرق تازة يبدأ امتداد واسع من المساحات الزراعية الصغيرة وأراضي الرعي، فضلا عن المجالات الجرداء الممتدة عبر كل الاتجاهات. وعلى بعد 27 كيلومترا من تازة غربا و33 في اتجاه جرسيف شرقا تطالعك إلى اليسار إذا كنت مسافرا في القطار وبدرجة أقل بواسطة السيارة، من خلال الطريق الوطنية رقم 06 (وليس الطريق السيار)، أسوار وأبراج تاريخية بمبعدة بعض الكيلومترات، وسرعان ما تعرف أن الأمر يتعلق بصرح إسماعيلي (أي يعود بناؤه إلى المولى إسماعيل ثاني سلاطين الدولة العلوية) يعزز الانطباع نفسه لأنه يشبه كثيرا أسوار المدن العتيقة، ومعها القلاع والحصون المشابهة، فهو يشتمل على الأبراج الدفاعية، وتتخلله الثقوب المعروفة المساعدة على البناء وتهوية تلك الأسوار حتى لا تنهار بفعل الرطوبة أو الأمطار.

الصرح الإسماعيلي يتمثل في “قصبة مسون” شرق تازة ووسط قبيلة هوارة، والمحاذية لمطالسة وبني وراين وغياثة ثم البرانس إلى الشمال، وهي تشرف على وادي مسون الممتد عبر120 كلم، انطلاقا من منطقة أكنول بالريف ونحو مصبه بوادي ملوية. ومن حيث الاسم فكلمة “مسون” تعني المالح باللهجة المحلية، أي إن مذاق مياه الوادي المعني مالحة.

والموقع كان تابعا لدائرة جرسيف / إقليم تازة لكن لما أصبح إقليم جرسيف قائم الذات بات تابعا له، وضمن الجماعة القروية لتادارت. والقصبة بالدلالات المغربية تدل على تجمع سكاني معين، يتوفر على كل مقومات الحياة من مجاري المياه ومرافق ومساكن وإقامات ومساجد ومعزز(في الماضي طبعا) بحامية أو قوة عسكرية من العبيد أو غيرهم، مثلما اعتاد على ذلك المغاربة طيلة حقب متعددة، وذلك قبل الحماية الفرنسية .

الموقع إياه لا يعد في التصنيف العلمي قلعة حربية محضة، كما ذهب إلى ذلك الراحل عبد العزيز بن عبد الله، وأيضا صاحب “الحلل البهية في ملوك الدولة العلوية” محمد بن مصطفى المشرفي والناصري نفسه عن خطأ، حينما اعتبروا الموقع قلعة وليس قصبة، لأن الفارق واضح تعبر عنه الوظيفة العسكرية الخاصة للأولى، في حين تمتزج الوظائف العسكرية بـ”المدنية” في الثانية؛ علاوة على أن القصبة هي بالضرورة أكبر حجما وأوسع من القلعة.

بنيت قصبة مسون سنة 1091 هـ الموافق لـ1680 م (وليس سنة 1684 كما ذهب إلى ذلك بعضهم ومثلما هو مثبت في موسوعة ويكيبيديا عن خطأ)، وهي واحدة من 76 قصبة تضاف إلى القلاع التي شيدها المولى إسماعيل العلوي لتحقيق عدة أهداف أبرزها:

– ضبط قبائل الجبال، وخاصة الأطلسين المتوسط والكبير، التي تميزت بالترحال ومهاجمة قبائل السهول المستقرة في إطار ما سميت تاريخيا ظاهرة “السيبة”.

– جمع الضرائب والزكوات والأعشار من طرف القبائل التي احتضنت تلك القصبات لأجل الإنفاق على الحاميات المتجسد في مؤونة العبيد وعلف الخيل من جهة، ثم دعم خزينة الدولة من جهة أخرى. وهذا الأمر كان رهينا دائما بمدى استقرار البلاد، حيث يتراجع كليا أو جزئيا حين ينفرط عقد الأمن والاستقرار كما حدث بعد وفاة السلطان مولاي إسماعيل سنة 1727م .

– ضمان الأمن بالنسبة للطرق التجارية الرئيسة ومناطق التماس الإستراتيجية كممر تازة مثلا، ولاسيما مع عبور القوافل التجارية والسفارية وكذا مواكب الحجيج. ونتحدث هنا عن الركب الفاسي الذي كان يسلك “الطريق السلطاني” بين فاس ووجدة عبر تازة ومسون وجرسيف وتاوريرت وعيون سيدي ملوك.

– تكريس سلطة الدولة وضبط الدينامية الاجتماعية وتوحيد البلاد عبر القدرة على المراقبة والتدخل في جميع الظروف والأحوال.

ولابد في هذه المقاصد أو الأهداف من استحضار الظرفية المتأزمة للبلاد خلال الفترة الأولى من حكم المولى إسماعيل، حيث كثرت الفتن وتردى الوضع الاقتصادي والاجتماعي، واستفحل نزول القبائل الجبلية نحو السهول، واستعرت العديد من الثورات ومظاهر التمرد بمختلف أشكالها، كثورة أهل فاس (من أسبابها محاولة المولى إسماعيل تجنيد الحراطين في جيش عبيد البخاري)، وثورة قبائل الغرب والخضر غيلان والدلائيين بالأطلس المتوسط، وتمرد ابن أخ السلطان أحمد بن محرز، إلى درجة أن المولى إسماعيل استنفد كل المرحلة الأولى من حكمه الممتدة إلى حوالي 1697 م في إخماد والقضاء على هذه الثورات، بالاعتماد على جيش عبيد البخاري أساسا المكون من قبائل تم إخضاعها أو تلك التي كانت في الأصل مؤيدة للمخزن.

وحسب رواية الناصري في “الاستقصا” يفيد بأن السلطان إياه “لما نزل بوادي امسون أمر بأن تبنى به قلعة أخرى (وهو يقصد القصبة) بجوار القديمة، وأنزل بها مائة فارس من العبيد بعيالهم وأولادهم، ثم أنزل بتازا ألفين وخمسمائة من خيل العبيد بعيالهم”. وكانت الحصون والقلاع والقصبات الممتدة من تازة إلى وادي زا / قرب تاوريرت تحت إشراف القائد منصور بن الرامي.

موقع قصبتنا تتوفر فيه كل الشروط المجالية والإستراتيجية، فهو أولا بني بالتراب أو الطوب المدكوك المسمى “اللوح”، ثم الآجر، ويبدو أنه رفع على أنقاض أو بجوار موقع حربي قروسطي يرجح أنه مريني زناتي، حسب العلامة محمد المنوني.

ثم إن القصبة واقعة على سفح وادي مسون، فيما اختيار الموقع ومنذ القديم لم يكن صدفة، لأن القصبة تقع في ملتقى الطرق الرابطة بين شرق البلاد وغربها، مع الانفتاح أيضا على الشمال، حيث الريف الشرقي، والجنوب حيث الأطلس المتوسط، ما يؤهلها لمراقبة وضبط مساحات واسعة من هذه المنطقة، وهي التي تعد في الحقيقة بداية مجالية مختلفة عن ممر تازة، ونهايته منطقة “رجم الزحازحة”، حين تنفتح التضاريس عبر واجهة أو منخفض امسون الواسع الممتد.

لقد ورد موقع مسون منذ القرن الرابع الهجري في الحوليات والمظان التاريخية، وإلى حدود فرض الحماية على المغرب، غير أن طبيعة البناء بالنظر إلى كونه يحضن القصبة الإسماعيلية وخصوصية الموقع تفرضان على الباحث تقديم وصف شامل له، فالقصبة عبارة عن مستطيل من الوجهة الهندسية، تبعا لأهمية السور المحيط بها، وتقدر أبعاده بــ 23 مترا بالنسبة للسورين الغربي والشرقي و17 ,8 م بالنسبة للسورين الشمالي والجنوبي، ويتراوح عرضه بين متر واحد ومتر ونصف المتر وتخترقه ثماني غرف، إما كانت مخصصة للإقامة والسكن أو لأغراض أخرى؛ وينتهي السور في أعلاه بأعمدة ترابية على شكل أسهم حادة تعرف باسم “اشراريب”. وكان بالقصبة في ما مضى باب وحيد تحت الحراسة التي ما لبثت أن اختفت هي الأخرى، فبقيت القصبة في مواجهة مصيرها.

الحالة المتردية التي توجد عليها هذه المعلمة الإسماعيلية حاليا لا يمكن أن تحجب بجميع المقاييس ما لعبته من أدوار تاريخية هامة، ليس فقط باعتبارها قصبة تنتمي إلى العصر العلوي الأول، بل أيضا تبعا لأهمية الموقع الإستراتيجي والاحتمال القوي لوجود قلعة قديمة بالمنطقة هي التي أشار إليها الناصري. لقد شكل موقع مسون نقطة ارتكاز قوية لقبائل زناتة منذ زحفها التدريجي نحو المغرب الأقصى، انطلاقا من المغرب الأوسط، ثم للأحلاف وبني معقل والمجموعات القبلية الحالية (في ما بعد). ولذا أشار المؤرخون وأصحاب الحوليات إلى هذا الدور منذ القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، حيث وقع التدخل الشيعي الفاطمي الذي مد نفوذه لمدة من الزمن على المنطقة، ثم انتقل النفوذ نفسه إلى أمويي الأندلس، وذلك عبر الإمارات المختلفة التي تعاقبت على المنطقة.

من أبرز فروع زناتة التي مدت نشاطها عبر كل هذه الناحية قبيلة وإمارة مكناسة بني العافية، حيث عرف المجال الجغرافي نفسه مواجهات متعددة بين المكناسيين وزعماء الفاطميين، لما انقلب بنو العافية عليهم من جهة، ومع بقايا الأدارسة من جهة أخرى. ونذكر هنا كما جاء في معلمة المغرب هزيمة موسى ابن أبي العافية سنة 321 هـ / 933 م بفحص مسون أمام حميد بن يصل أو يصليتن قائد القوة العسكرية الفاطمية الموفدة من طرف صاحب إفريقية، فكان أن لجأ موسى إلى عين إسحق من بلاد تسول كي يستجمع قواه ويعاود الكرة من جديد؛ وهي المادة التاريخية نفسها التي أشار إليها عبد الوهاب بن منصور في كتابه “قبائل المغرب”. أما موسى ابن أبي العافية فاستمر في صراعه مع العبيديين / الفاطميين إلى أن قتل ببعض بلاد ملوية سنة 341 هــ/ 952 م، وهو التاريخ الراجح لدينا، ليخلفه أبناؤه على رأس الإمارة المعنية إلى أن هزمهم زناتيو مغراوة وبنو يفرن، ثم غلبوا على أمرهم على يد يوسف بن تاشفين، العاهل المرابطي.

وشهد موقع مسون تحركات مكثفة طيلة التاريخ بسبب الاعتبارات السابقة، فهنا صارع يوسف بن تاشفين بقايا مكناسة ومعهم مغراوة وبني يفرن حوالي سنة 468 هـ/ 1074 م، بعد فتحه فاس وتازة حين توجه إلى تلمسان عبر وجدة.

وشكلت منطقة مسون جزءا أساسيا من الطريق التجاري فاس / تلمسان في عهد الموحدين، كما عبرتها جيوش هذه الدولة نحو تلمسان ومن ثمة باتجاه المغربين الأوسط والأدنى. وفي فحص مسون جرت مواجهات مستمرة بين بني مرين وأبناء عمومتهم من بني زيان أو بني عبد الواد/ يغمراسن بن زيان، فكانت الحرب سجالا بين الطرفين، بفعل سعي بني مرين لإعادة الامبراطورية الموحدية الآفلة من جهة وتطلع بني زيان للسيطرة على ملوية ومعها تازة معقل المرينيين وفاس عاصمتهم الرسمية، من جهة أخرى.

تمر مراحل التاريخ لتشهد المنطقة مواجهات بين السلطان المولى الرشيد العلوي ودلائيي الأطلس، ثم مع أخيه مولاي امحمد (فتحا) إلى حين سيطرته على فاس بمساعدة الزاوية الفاسية ودعم عرب شراكة وبني معقل وقبائل الشرق وأحواز تازة. ولما وصلت جيوش السلطان المولى إسماعيل إلى المنطقة بعد إقامة لمدة شهر بتازة، وإثر حصار الثائر أحمد بن محرز هناك، وهرب هذا الأخير إلى تارودانت، ثم القضاء على تمرد الخضر غيلان بالهبط، ارتأى السلطان بناء قصبة مسون سنة 1680م/ 1091هــ بجوار القلعة التي تعود على الأرجح إلى المرينيين. وفي كل الأحوال نسبت القصبة في نهاية المطاف إلى المولى إسماعيل، ولا نستطيع حاليا تحديد معالم هذه القلعة المرينية، بسبب نوازل الزمن وتدخل البشر عبر التاريخ، ولأن الأسوار نفسها – مع ذلك – تبدو قديمة ولا تختلف كثيرا عن الأسوار المرينية كما نعرفها في المدن والحواضر التي ازدهرت خلال هذا العصر.

إضافة إلى التحركات العسكرية والقوافل التجارية والحجية والسفارية عرفت المنطقة عموما والقصبة على وجه الخصوص مرور قوافل المستكشفين، وأيضا الجواسيس الذين وضعوا أنفسهم في خدمة التغلغل الاستعماري في ما بعد. ومن المستكشفين الذين خدموا أطماع بونابارت بالمغرب وعلى عهد السلطان مولاي سليمان نجد دومينغو فرانتسكو باديَّDomingo Francisco Badia، الذي دخل المغرب الأقصى سنة 1805 متنكرا باسم تاجر حلبي سمى نفسه علي باي العباسي، وقد عاش بين 1767 و1818 للميلاد .

خلفية الجاسوسية كانت دافعا أساسيا للرحلة، وإن صاحبنا رغم النقد القاسي الذي وجهه لحكم السلطان واستعراضه الأوضاع الاجتماعية المتردية فقد استغرق من جهة أخرى في إبداء إعجابه بطبيعة المغرب وحضارته وديانته الإسلامية معا، مع ميل أحيانا إلى نوع من الوصف المشفق على بعض المناطق التي مر بها، ومنها بقعة مسون بقصبتها؛ يقول في كتابه “رحلات عبر المغرب” وهو على شكل يوميات والمترجم سنة 2010 من طرف الباحث مزوار الإدريسي: “صباح يوم 05 يونيو 1805… وعند الواحدة والربع عبرت نهرا وأمرت بنصب المخيم داخل قصبة عتيقة أو قصر يدعى قصبة مسون أو تَمَسْوين”.

وبعد أن يصف الكاتب بإيجاز الوضع الطبوغرافي وحالة التربة بالمنطقة يفاجأ بقافلة قادمة من الشرق، تضم في ما تضم إضافة إلى أصحابها الماعز والجواميس والأبقار وكذا البهائم والبغال، وهي محملة بالأثقال وسرعان ما نعرف أنها قادمة من تلمسان في اتجاه فاس أو باقي المناطق بسبب فشل الثورة ضد الأتراك العثمانيين بالمنطقة، وكذا ملابسات بيعة أهل تلمسان للسلطان مولاي سليمان؛ ثم يعود لوصف قصبة مسون من حيث الأسوار والأبراج ويقيسها لا بالأمتار ولكن بالاقدام، ويشير إلى وجود مسجد خرب وسط القصبة، فيما يحتمي السكان بأكواخ مقسمة إلى مجموعات من ثلاثة إلى أربعة، دون أن ينسى قائد المنطقة (التابع للمخزن المركزي بالطبع) الذي يقيم على مسافة فرسخ من المكان وإكرامه وفادة هذا الرحالة الإسباني الكتالاني، ليغادر المكان صوب الشرق صباح يوم 06 يونيو 1805.

وقع تحصين القصبة مرة أخرى على عهد السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام، وفي سياق معركة إيسلي في غشت 1844 التي كان سببها المباشر دعم المغرب مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري. وبعيد الهزيمة تشتت العسكر المغربي، فمنه من قصد تازة ومنه من توقف في القصبات والمحطات الموجودة في الطريق كقصبتي العيون وتاوريرت، ثم أيضا قصبة مسون حيث ظل دورها العسكري مستمرا حتى فترة الحماية الفرنسية، علاوة على طابعها كمدينة صغيرة متوفرة آنذاك على المرافق الضرورية .

وتوالت الرحلات الاستكشافية الفرنسية عبر المغرب، التي دشنت المرحلة العلمية ذات الخلفية الجاسوسية الاستعمارية اعتبارا من رحلة شارل دوفوكو Charles De Foucauld سنة 1883، وتلاه الماركيز دوزيكونزاك Marquise De Segonzac ما بين سنتي 1899 و1901، الذي وصف منطقة مسون بالمنخفظ الكبير: تازة – مسون الذي يوجد في نظره شمال بني بوقيطون من غياثة “Au nord la grande dépression Taza – Msoune “، وكان عائدا من تازة متوجها نحو الشرق.

وأثناء فتنة الجيلالي الزرهوني المعروف في الاستوغرافية الرسمية باسم “بوحمارة “، التي استمرت من خريف 1902 إلى صيف 1909، وبعد انتصار جيشه في “كعدة الروانب” على الجيش المخزني، ذاق الهزيمة لأول مرة في يناير 1903، وذلك بمنطقة “ثلاثاء النخيلة” على ضفة وادي إيناون، فلم يسع الروغي إلا الفرار في اتجاه قصبة مسون التي لجأ إليها وأقام بها مدة معينة قبل أن ييمم شطر البرانس لمعالجة جرحه الغائرالذي لحقه أثناء المعركة.

وباسم فتح الأسواق ونشر الأمن بالبلاد شرع الجيش الفرنسي وقوات إفريقيا Armée de L’Afrique في الزحف انطلاقا من الضفة اليسرى لنهر ملوية، وكانت مقاومة القبائل على أشدها، خاصة هوارة وبني وراين وولاد الحاج، ثم غياثة ومطالسة، ولاسيما أواخر ماي 1911. ولم يتم احتلال مركز جرسيف إلا بعد قنبلة المنطقة بالمدافع وبشكل وحشي وتدمير مختلف القصبات، كقصبة مرادة وهداجية وقصبة تادارت وقصبة جرسيف نفسها، ما يقترب من جرائم الحروب. وبعد سنة كاملة، أي في ماي 1912، مباشرة بعد توقيع معاهدة فاس (30 مارس 1912)، وذلك حسب اعتراف الطبيب جون فيال Jean Vial، ولما احتل الجيش الاستعماري قصبة مسون سنة 1913، كان الأمر تمهد تماما باستسلام هوارة خاصة، وأصبح الوضع العسكري سالكا نحو ممر تازة الإستراتيجي بقايدة الجنرال بومغارتن .

جاء في التقرير الشهري للحماية الفرنسية ( فبراير 1913 ) Rapport Mensuel d’Ensemble du Protectorat : “وينبغي في الوقت الراهن الانتفاع من الفوائد المكتسبة بوصولنا من جهة بامسون إلى حدود بلاد هوارة التي أصبحت مخلصة لنا”، ويضيف: “وهكذا فإن الاتصال بالقبائل المجاورة سيسمح لنا بتكوين ‘انطباع’ Une Impressionعن إقليم تازة”. وتحولت القصبة إلى موقع عسكري هام للقوات الفرنسية، بل وأقام به كبار ضباطها على الأقل قبل احتلال تازة الرسمي في 17 ماي 1914.

ولما سيطرت القوات الفرنسية على مركز مسون حولت القصبة إلى موقع عسكري وإداري استعماري يشتمل على مساكن الجنود والضباط والأسلحة وبعض المرافق الإدارية، كالبريد ومقر قيادة الوحدات وغيرها. بل وتفيد المصادر بأنه لما مد الخط السككي من فئة 0.60 نحو مسون يوم 26 مارس 1914 اخترق القصبة وبات القطار يمر وسطها لأغراض عسكرية بالدرجة الأولى. وفقدت هذه الشبكة بعض أهميتها انطلاقا من سنة 1923. ولما شرع في استغلال الخط العادي (1.44 م) بعد عشر سنوات، أي في ماي 1933، تركز الخط نفسه على بعد عدة كيلومترات جنوبا، حيث بنيت محطة مسون. ومازال هذا الخط مشغلا إلى حد الآن.

ولم يخلف الفرنسيون في هذا الفضاء، إذا استثنينا الخط السككي الذي تم بعمالة مغربية، سوى مقبرة للجنود والضباط الذين سقطوا في معارك مواجهة المقاومة أو ما سموها “حرب التهدئة” Guerre de Pacification خاصة في فترات 1915 و1916 .

وبعد استقلال البلاد تراجع تماما الدور العسكري للقصبة وبقي الدور الاقتصادي والاجتماعي ومعهما الدور التجاري؛ وظائف باتت ترواح نفسها إلى ستينيات القرن الماضي، حيث اختفى سوقها الأسبوعي الذي كان ينعقد يوم الإثنين، مع ظهور أسواق جديدة في المنطقة واستفحال الهجرة منها نحو المدن والمراكز المجاورة في سياق توالي سنين الجفاف، رغم وجود المياه والكهرباء بالقصبة وإمكانيات خلق فرص الشغل عبر المواد الطبيعية النابتة فيها. ويحيط بالقصبة قربا أو بعدا 11 دوارا في إطار تجمع يسمى الزركان امزارشة، تصارع ساكنته مصاعب الحياة المتعددة من أجل البقاء، ولا تتجاوز حاليا 30 فردا بالقصبة.

ومع أن إمكانيات كبيرة تتيحها القصبة، خاصة على المستويين السياحي والثقافي، فلم تلتفت الجهات المعنية إليها إلى حد الآن؛ أما المجتمع المدني المحلي فما لبث يطالب بإعادة تهيئتها على نحو شامل، وتأهيل ساكنتها بمشاريع مدرة للدخل، من جهة، وتحويلها إلى موقع تاريخي/ سياحي مصنف حقيقة لا مجازا من جهة أخرى، على غرار قصبات بولعوان – المهدية – الوداية – أكادير وقصبات الجنوب أو البرج الشمالي بفاس وغيرها، وإمكانية تهيئتها كفضاء عمومي متحفي أساسا يضم لقى ومنتجات المنطقة الطبيعة والبشرية، أو قاعة للعروض الفنية على غرار باب الرواح بالرباط أو باب الخميس بسلا أو رواق الفنان المرحوم قريفلة بتازة. والسؤال موجه للجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الثقافة ثم وزارتا الصناعة التقليدية والتربية الوطنية فهل من مجيب؟.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق بدء جلسة الشيوخ لمناقشة دراسة بشأن تطوير النظام الجمركي المصري
التالى "التخطيط" تستعرض تقريرًا حول تطور العلاقات الاقتصادية المصرية الفرنسية