حرب العقول الذكية.. دول صغيرة تكتسح سباق الذكاء الاصطناعي

وظائف مهددة بالزوال بسبب الذكاء الاصطناعي

في خضم ثورة تكنولوجية متسارعة الوتيرة، يشهد العالم سباقًا محمومًا لاستقطاب وتنمية الكفاءات المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي. لم يعد الأمر مجرد اتجاه مستقبلي، بل بات واقعًا يغير ملامح سوق العمل بشكل جذري؛ حيث تتنافس الشركات على امتلاك المهارات التي تتيح لها الاستفادة القصوى من هذه التقنية المتقدمة.

الذكاء الاصطناعي.. كلمة السر في وظائف المستقبل

تشير التقارير الحديثة إلى أن إتقان مهارات الذكاء الاصطناعي لم يعد ميزة إضافية، بل أصبح شرطًا أساسيًا للولوج إلى العديد من الوظائف. ففي دراسة مشتركة أجرتها "مايكروسوفت" و"لينكد إن" عام 2024، شملت أكثر من 31 ألف شخص في 31 دولة، كشفت نتائج صادمة، وهي أن نحو 66% من قادة المؤسسات لن يوظفوا مرشحين يفتقرون إلى هذه المهارات الحيوية.

والأكثر دلالة هو تأكيد 71% منهم على تفضيل توظيف مرشحين أقل خبرة ولكنهم يمتلكون أساسًا قويًا في الذكاء الاصطناعي، على آخرين يتمتعون بخبرة أطول ولكنهم يفتقرون إلى هذه الكفاءة الرقمية.

"لينكدإن" ترسم خريطة المواهب العالمية في الذكاء الاصطناعي

في محاولة لفهم التوزيع العالمي لهذه الكفاءات المطلوبة بشدة، أطلقت منصة "لينكدإن" مؤشرًا فريدًا تحت مسمى "تركيز المواهب في الذكاء الاصطناعي". يعتمد هذا المؤشر على تحليل بيانات الأعضاء النشطين على المنصة، ويشمل طيفًا واسعًا من المهارات، بدءًا من المهارات الهندسية المتخصصة مثل التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية، وصولًا إلى المهارات المعرفية التطبيقية مثل استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي ChatGPT ومنصة تطوير البرمجيات GitHub Copilot.

يكشف تقرير "لينكدإن" عن مشهد ديناميكي ومتغير في توزيع مواهب الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، بينما تتصدر دول صغيرة نسبياً المشهد حاليًا، تظهر قوى صاعدة مثل الهند بإمكانيات هائلة.

تقرير "لينكدإن" يكشف مفاجآت في صدارة سباق العقول الذكية (بيانات 2024)

وفقًا لبيانات "لينكدإن" لعام 2024، تتصدر مجموعة من الدول، معظمها ذات حجم سكاني واقتصادي نسبيًا صغير، قائمة الدول التي تتمتع بأعلى تركيز لمواهب الذكاء الاصطناعي مقارنة بالمتوسط ​​العالمي. وتضمنت القائمة العشر الأوائل الدول التالية:

تحولات ملحوظة في الترتيب العالمي

يشير تحليل بيانات "لينكدإن" إلى استقرار نسبي في المراكز الستة الأولى مقارنة بعام 2023، مما يعكس استمرارية في استراتيجيات تطوير الكفاءات في هذه الدول.

ومع ذلك، شهد الترتيب تحولات ملحوظة، حيث قفزت إيرلندا أربعة مراكز لتستقر في المركز السابع، بينما تراجعت كوريا الجنوبية ثلاثة مراكز لتختتم قائمة العشر الأوائل.

"الدول الصغيرة الذكية".. نموذج في تبني الذكاء الاصطناعي

يُظهر هذا التصنيف المثير للاهتمام تفوق دول صغيرة نسبيًا من حيث عدد السكان والحجم الجغرافي، مثل سنغافورة وإستونيا ولوكسمبورغ، في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.

ويعزى هذا التفوق إلى الاستثمارات الاستراتيجية في قطاعي التعليم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى تبني استراتيجيات رقمية شاملة على المستوى الوطني.

وفي تعليق لها على هذه النتائج، قالت تشوا بي يينغ، رئيسة الاقتصاديين في LinkedIn لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، لشبكة CNBC Make It: "العديد من هذه الدول التي لديها أعلى تركيز لمواهب الذكاء الاصطناعي - إسرائيل، وسنغافورة، ولوكسمبورغ، وإستونيا - صغيرة نسبيًا من حيث عدد السكان والحجم الجغرافي، لكنها تتفوق على حجمها في سرعة تطوير مواهب الذكاء الاصطناعي".

وأضافت أن هذا التفوق قد يكون ناتجًا عن "بناء نظام بيئي مزدهر حيث يتم رعاية المواهب، عندما تستثمر الشركات في تطوير مهارات موظفيها، وتضع الحكومات سياسات تشجع التعلم المستمر".

الهند.. عملاق صاعد في مجال الذكاء الاصطناعي

على الرغم من عدم إدراجها ضمن قائمة العشر الأوائل من حيث التركيز الحالي للمواهب في عام 2024، إلا أن الهند سجلت زيادة مذهلة بنسبة 252% في هذا المقياس بين عامي 2016 و 2024. وتشير بيانات "لينكدإن" إلى أن المهنيين في الهند "يعملون بنشاط على بناء مهاراتهم المتعلقة بالذكاء الاصطناعي".

كما شهدت الهند زيادة سنوية ملحوظة بنسبة 33.4% في التوظيف في وظائف متعلقة بالذكاء الاصطناعي مقارنة بمعدل التوظيف العام في عام 2024، مما يعكس الطلب المتزايد على هذه الكفاءات في السوق الهندية.

وتعليقًا على ذلك، أشارت تشوا إلى أن "التركيز الثقافي في سنغافورة على التعلم يساهم في ميزتها التنافسية في هذا العصر الجديد للذكاء الاصطناعي.

تظهر بياناتنا أن المهنيين في سنغافورة هم من بين أكثر المتعلمين شغفًا، حيث يقضون وقتًا أطول بنسبة 40% في اكتساب مهارات الذكاء الاصطناعي مقارنة بنظرائهم في جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ".

تداعيات على سوق العمل العالمي

يشير هذا التقرير إلى تحول هيكلي عميق في سوق العمل العالمي، حيث تتزايد أهمية مهارات الذكاء الاصطناعي بشكل مطرد. الدول التي تستثمر بجدية في تطوير هذه الكفاءات وتتبنى استراتيجيات وطنية شاملة في هذا المجال، تضع نفسها في موقع الريادة في اقتصاد المستقبل.

في المقابل، قد تواجه الدول التي تتأخر في هذا السباق تحديات كبيرة في الحفاظ على تنافسيتها وجذب الاستثمارات.