أثارت دعوات حمل السلاح إلى جانب حركة “حماس” في حربها مع إسرائيل تباينًا واضحًا في مواقف مناصري ومناهضي التطبيع مع إسرائيل في المغرب، بين من رأى فيها دعوة إلى استنهاض همم الدول العربية والإسلامية وإثارة مسؤوليتها في وقف الحرب ضد الشعب الفلسطيني، وبين من اعتبر أن تجييش الشعوب بهذه الخطابات لا يخدم مسار السلام في الشرق الأوسط ويؤدي إلى المزيد من الدمار في المنطقة.
ودعا سامي أبو زهري، القيادي البارز في حركة حماس، كل أنصار المقاومة الفلسطينية على مستوى العالم إلى “التحرك المسلح” لمواجهة مخطط ترحيل سكان غزة من أرضهم، إذ توجه إلى المتعاطفين مع فلسطين قائلا: “لا تدخروا عبوة أو رصاصة أو سكينًا أو حجرًا، فصمتنا جريمة إن بقيت مصالح أمريكا والاحتلال الصهيوني آمنة”.
من جهته أفتى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي ينشط انطلاقًا من قطر وتركيا، بـ”وجوب الجهاد المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي”، داعيًا إلى التدخل العسكري الفوري من جانب الدول الإسلامية لدعم المقاومة الفلسطينية، وإلغاء كل أشكال التطبيع مع إسرائيل.
دعوات مُتفهمة
قال أوس الرمال، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، إن “المتتبع لما يجري في فلسطين من جرائم وعدوان إسرائيلي، بتواطؤ من بعض الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لا يمكن إلا أن يتفهم هذه الدعوات التي أطلقتها بعض قيادات ورموز حركة المقاومة الفلسطينية”.
وأضاف الرمال في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “المقاومة الفلسطينية، بالنظر إلى ما تعانيه من حصار عسكري ومحاولات سياسية لتصفية قضية الشعب الفلسطيني، فإنه من الطبيعي أن تُطلق مثل هذه النداءات في ظل تقاعس الدول العربية والإسلامية، التي كان يُنتظر منها أن تدعم القضية الفلسطينية ومبادئ حقوق الإنسان بشكل أكبر”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “تعاطي بعض الدول والقوى الغربية مع القضية الفلسطينية، بسكوتها عن الجرائم اليومية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، يكشف عن زيف الشعارات الحقوقية التي كانت تتغنى بها هذه الدول أمام المنتظم الدولي ولدى تعاطيها مع قضايا أخرى، وهو ما يؤكد ازدواجية مواقفها”.
وسجّل رئيس حركة التوحيد والإصلاح أن “دعوة رموز من حركة حماس إلى حمل السلاح لمواجهة خطط الإجهاز النهائي على القضية الفلسطينية موجهة بالأساس إلى دول العالم العربي والإسلامي، من أجل التدخل لتصعيد دعمها للمقاومة والضغط على الدول الداعمة للكيان الصهيوني من أجل إيقاف هذه الحرب المستمرة التي يروح ضحيتها يوميًا المئات من المدنيين، خاصة الأطفال والنساء”.
وأكد الرمال أن “حركة التوحيد والإصلاح تدعم قضية الشعب الفلسطيني ونضالاته من أجل الحرية، في حدود إمكانياتها، وفي حدود ما تسمح به الأعراف والقوانين الجاري بها العمل في المملكة”، مشددًا في الوقت ذاته على “أهمية رفع وعي الشباب المغربي والإسلامي بهذه القضية، من خلال تسليحه بالمعرفة التاريخية والقانونية للترافع عن القضية الفلسطينية بعيدًا عن التعامل العاطفي معها، ما يمكن أن يساهم في إحداث نقلة نوعية في التعاطي مع المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني”.
ارتباك بنيوي
يرى فيصل مرجاني، رئيس جمعية مغرب التعايش، أن “التصريحات الأخيرة الصادرة عن قيادات حركة حماس، التي تدعو بشكل فجّ إلى عسكرة الجماهير العربية وتجييش الشارع الإسلامي ضد منظوماته السياسية، لا تعبّر عن خيار نضالي مشروع، بل عن ارتباك بنيوي وانسداد إستراتيجي تعيشه الحركة، في ظل تحولات جيوبوليتيكية تُقوّض تموقعها الوظيفي داخل المعادلة الإقليمية”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “التحريض على العنف المسلح خارج حدود الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لا يمكن قراءته إلا كنوع من الهروب إلى الأمام، ومحاولة يائسة لإعادة إنتاج دور ميداني فقدَ مشروعيته الأخلاقية والسياسية، خصوصًا بعد التململ الشعبي الداخلي في غزة، حيث طالبت شرائح واسعة من المجتمع المدني الفلسطيني بانسحاب حماس من المشهد السياسي وتفكيك بنيتها السلطوية التي تحولت إلى عبء على الكيان الفلسطيني برمّته”.
وأكد المصرح لهسبريس أن “هذا الانزياح الخطابي نحو العسكرة العابرة للأوطان يفضح بوضوح محدودية الخيارات المتاحة أمام حماس، ويكشف تراجع رصيدها الرمزي، وانكشاف وظيفتها كأداة أيديولوجية عابرة للحدود تُوظّفها بعض الأنظمة لتصريف صراعاتها على حساب الاستقرار الإقليمي”، معتبرا أن “تشبث الحركة بخطابها القائم على الثنائية الصفرية بين النصر خلال الهدنة والبكاء والاستغاثة خلال التصعيد لا يعبّر سوى عن خضوعها لمنطق الافتتان بالخراب، وتضخم الذات النضالية المزيفة التي لم تنتج سوى الدمار والتفكك والانقسام”.
وتابع مرجاني بأن “انخراط حماس في إستراتيجية استثارة الشارع العربي والإسلامي مؤشر على تخلي طهران المرحلي عن تقديم الدعم الكامل لها بفعل إعادة ترتيب أولوياتها الإقليمية، وهو ما يفسر محاولة الحركة دفع الشعوب إلى فرض الضغط على الحكومات العربية بغية جرّها نحو استنساخ النموذج الإيراني أو التركي في التوظيف الرمزي للمقاومة”، مشيرا إلى أن “الإعلام القطري والتركي وتحديدًا قناة الجزيرة لا يمارس فقط دورًا تعبويًا غوغائيًا في هذا الصدد، بل يعمل ضمن أجندة تأطيرية تسعى إلى تكريس ذهنية المؤامرة والتحشيد النفسي ضد الأنظمة القائمة”.
وخلص المتحدث إلى أن “المغرب يبرز في هذا السياق كقوة سيادية ذات رؤية واقعية وعقلانية، تتعاطى مع السياسة الدولية بمنطق الدولة لا بمنطق الميليشيا؛ فهو بقيادته ومؤسساته لا يخضع لإملاءات خارجية ولا يتفاعل مع المحيط انطلاقًا من انفعالات ظرفية أو تحريض أيديولوجي موجه”، مشددا على أن “الأصوات التي تزايد على المغرب باسم مقاومة التطبيع لا تُدرك أن القضية الفلسطينية لا تُخدم بالصراخ ولا بالتحريض، بل بتعزيز استقرار الدول وبناء تحالفات واقعية قائمة على العقل والاعتدال”.