دراسة سوسيولوجية تسلط الضوء على هوية وتجارب المهاجرين المغاربة بألمانيا

أصدرت ماجدة بوعزة، الإعلامية المغربية المقيمة في الديار الألمانية، كتابا بعنوان “هوية المهاجرين المغاربة وسؤال الاختلاف الثقافي في السياق الألماني.. دراسة سوسيولوجية”، في محاولة لتسليط الضوء على تجربة هجرة المغاربة إلى ألمانيا التي تواجهها التحديات الثقافية المرتبطة خاصة بالجانب الديني والقيمي، في محاولة لفهم تصورات تبناها المهاجرون اعتمادا على صور وتمثلات بُنِيَت حول الغرب عموما، تناقض أحيانا ما يعايشه المهاجرون المغاربة خلال خوض التجربة.

وقد أثير موضوع هذه الدراسة، حسب مضمون الكتاب، “في ظل التعقيدات المعاصرة التي تطال قضايا الهجرة والهوية الثقافية، وكمحاولة لفهم تجارب المهاجرين المغاربة ومدى انعكاسها على تشكل هوياتهم”.

وتتوخى هذه الدراسة السوسيولوجية فهم التجربة الهجروية للمغاربة الذين حلوا بألمانيا حديثا، بعد أن تبدد جزءٌ مهم من أحلامهم التي كانت من أهم محركات قرار الهجرة. كما ترسم الدراسة السمات الجديدة للهوية التي تتشكل عقب هذه التجارب؛ وذلك من خلال مقارنة التصورات القبلية مع التجارب الفعلية، وما تحدثه المواجهة مع الواقع الأوروبي المختلف من تفاعلات في ظل الاختلافات الثقافية المطروحة بين السياقين المغربي والألماني على مختلف المستويات.

إن الأمر، حسب الكاتبة، “يحدث لدى فئة من المهاجرين انكسارات متفاوتة، يكون رد الفعل حولها محاولات لتعريف الذات من جديد، والبحث عن تشكيل هوية تعينهم على الاستمرار، إما بالتأقلم والمقاومة”.

وتهدف هذه الدراسة إلى تجاوز الفهم السائد في الدراسات السوسيولوجية السابقة حول الهجرة والدين والهوية التي ركزت غالبا على دراسة مدى تأثير العوامل الثقافية في اندماج المهاجرين في بلد الاستقبال، بغرض فهم أسباب وكيفية انعكاس عيش هذه التناقضات في مخيال المهاجر وهويته، وكيف يجعله هذا الوضع يبني مواقفه، مركزين في ذلك على فهم التحديات المطروحة خاصة فيما يتعلق بالدين والقيم الأخلاقية.

كما تروم هذه الدراسة فهم مواقف المهاجرين التي بنيت بين مرحلة ما قبل وما بعد تجربة الهجرة، وبسط التحول الذي يحصل في فترات وجيزة، بين رغبة شرهة في الوصول إلى “أوروبا المثال” وبين حقيقة العيش في “أوروبا الواقع”، استنادا إلى مجموعة من التمثلات الجديدة ذات الطابع السلبي والمبنية، بالأساس، على منظور ثقافي ديني؛ وهو تحول يعبر عن نفسه من خلال إدراك المهاجرين لتلك الهوة التي يصعب ردمها بين هويتهم الأصلية التي يتشبثون بها وبين تلك التي يبلورونها في السياق الغربي ويُطالِبون باحترامها.

وتركز الباحثة بوعزة أيضا على إبراز الظروف التاريخية والاجتماعية المؤطرة لحركة الهجرة المغربية إلى ألمانيا منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي إلى اليوم، وتحلل مدى انفتاح ألمانيا على المغرب، بصفة خاصة، كوجهة لجلب اليد العاملة، رغم التحديات السياسية والاجتماعية، المتمثلة خاصة في تصاعد اليمين المتطرف ومعاداة الإسلام اللذين يعدان حجر عثرة في طريق الاندماج.

وتولي الدراسة أهمية كبرى لتأثير النقاشات السياسية والإعلامية على المهاجرين المغاربة، في محاولة للإحاطة بكل ما من شأنه المساس بهوية المهاجر المغربي وتغيير أفكاره والتأثير على قراراته.

وحظيت تجربة هجرة المرأة المغربية إلى ألمانيا باهتمام خاص، إذ تعتبر الكاتبة أن “هجرة المرأة المغربية نحو ألمانيا كانت مرتبطة في البداية بالتحاقها بالزوج الذي وصل إلى ألمانيا عاملا، فأثرت عليها بعد ذلك تغييرات شهدتها القوانين الألمانية المتعلقة بالهجرة وقوانين سوق العمل”.

وإن الدراسة لم تقتصر فقط على تقديم رؤية أكاديمية؛ بل سعت أيضا إلى الاستجابة للاحتياجات الواقعية للمهاجرين المغاربة من خلال تقديم توصيات واستراتيجيات يمكنها أن تساعد صانعي السياسات العمومية والفاعلين في المجتمع المدني على خلق بيئات أكثر احتواءً وتفاهمًا بين الثقافات المختلفة.

وحاولت الكاتبة أن تقدّم عبر مؤلفها رؤية تساعد على فهم الأثر السيكولوجي والثقافي والاجتماعي لتجربة مرحلة ما بعد الهجرة لدى مغاربة ألمانيا، حتى لا يتم التركيز مستقبلا، عند التخطيط لسياسات الهجرة، فقط على اندماجهم في البلد المستقبل؛ بل أيضًا على فهم القضايا الأساسية التي تؤثر في رؤيتهم لأنفسهم، وما يحمله ذلك من أهمية في فهم تفاعلاتهم وقراراتهم.

جدير بالذكر أن رواق النقابة الوطنية للصحافة المغربية في الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، التي تحتفي هذه السنة بمغاربة العالم، سيشهد، يوم الخميس 24 أبريل 2025، توقيع هذا الإصدار الجديد.

ماجدة بوعزة هي صحافية مغربية مقيمة في ألمانيا، راكمت تجربة مهنية ضمن أطقم منابر إعلامية، وطنية ودولية منذ عام 2014، وباحثة في سلك الدكتوراه بالمعهد العالي للإعلام والاتصال منذ سنة 2024، وحاصلة على ماجستير في تخصص الدين والثقافة والهجرة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط وماجستير في تخصص التنشيط الثقافي والإبداع الفني من كلية علوم التربية بالرباط سنة 2018، وخريجة المعهد العالي للإعلام والاتصال (ISIC) بالرباط سنة 2014.