الخميس 10 ابريل 2025 | 06:44 مساءً

حرب الرسوم الجمركية
في خضم حرب تجارية متصاعدة، تتجه الأنظار إلى الصين وقدرتها على تحويل فوضى الرسوم الجمركية الأمريكية إلى مكسب استراتيجي، فبينما يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتخاذ خطوات أحادية أربكت الأسواق، تُعيد الصين صياغة دورها على الساحة العالمية، ليس فقط كقوة اقتصادية، بل كـ"واحة استقرار" وسط عاصفة اقتصادية عالمية.
ومنذ أن بدأ ترامب في فرض الرسوم الجمركية على السلع الصينية في 2018، كانت الولايات المتحدة تهدف إلى الضغط على الصين لتغيير ممارساتها التجارية، وخاصة ما يتعلق بالملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا، ولكن، في حين أن هذه الإجراءات كانت تستهدف تقليل الفائض التجاري الصيني مع أمريكا، يبدو أن الصين قد استفادت بشكل غير مباشر من هذه السياسات.
مكاسب الصين من حرب الرسوم الجمركية
في البداية، بدا أن بكين تُفضّل الجلوس على الهامش، ومراقبة الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة وهم يتراجعون أمام حرب ترامب على العولمة، لكنها سرعان ما غيّرت استراتيجيتها، وبحسب مراقبين، كانت بكين تتوقع هذه الحرب وأعدّت العدة لها، ربما أكثر مما كانت مستعدة في ولاية ترامب الأولى، وفقًا لصحيفة "الجارديان" البريطانية".
وجاء رد الصين السريع في شكل حزمة تعريفات انتقامية ارتفعت من 34% إلى 84%، ردًا على الرسوم التي فرضها ترامب والتي بلغت مؤخرًا 145% على الواردات الصينية.
ورغم ذلك، حرصت بكين على التأكيد بأنها لا تسعى للمواجهة، وأن ردّها مبرر ومحدد، بل وتقدمت بشكوى إلى منظمة التجارة العالمية، في خطوة هدفها الظهور كمدافع عن النظام القائم على القواعد.
لكن، وفقًا لتقديرات اقتصادية، كانت رسوم ترامب التمهيدية كفيلة بخفض نمو الاقتصاد الصيني بنحو 2.4 نقطة مئوية، ما عنى أن الرد الصيني لم يكن خيارًا، بل ضرورة.
الرسوم الجمركية تهدد بانهيار حجم التبادل التجاري
مع توالي التصعيد، تحوّلت المعركة إلى مواجهة مباشرة بين أكبر اقتصادين في العالم، فالحرب الجمركية باتت تهدد بانهيار حجم التبادل التجاري، وبدأ الحديث يدور عن فصل اقتصادي محتمل بين الولايات المتحدة والصين.
وعبّرت منظمة التجارة العالمية عن قلقها البالغ من هذا التصعيد، مؤكدة أن التوتر بين واشنطن وبكين، اللتين تمثلان نحو 30% من التجارة العالمية، قد يُحدث أثرًا مدمّرًا على الاقتصاد العالمي.
وفي خضم ذلك، لجأت الصين إلى هجوم دبلوماسي ساحر، حيث كثّف مسؤولون كبار زياراتهم لعواصم أوروبا وآسيا، مصوّرين الصين على أنها قوة مسؤولة تدافع عن التعددية والتعاون الدولي، في مقابل صورة ترامب كرمز للاضطراب والانغلاق.
ترامب يعيد رسم المعركة والصين تتأقلم
مع تعليق ترامب المفاجئ للرسوم الجمركية على معظم الدول لمدة 90 يومًا، أصبحت الصين الهدف الوحيد المتبقي على طاولة الحرب التجارية، ما أعاد ترتيب المشهد بالكامل.
وساعد هذا التراجع التكتيكي على تهدئة أسواق السندات الأمريكية، وهو ما أقرّ به ترامب لاحقًا، حين وصف هذه الأسواق بأنها أصبحت "رائعة للغاية"، لكن هذا التراجع قوّض فكرة أن التعريفات كانت جزءًا من خطة مدروسة، بينما بدا أن ثقة المستثمرين في الولايات المتحدة تهتز بسبب قرارات التجارة الصادرة من ترامب.
ورغم التلويح بالعقوبات، لا يمكن تجاهل أن الولايات المتحدة تعتمد على الصين في نسب ضخمة من المنتجات التقنية، حيث 73% من الهواتف الذكية، و78% من أجهزة الكمبيوتر المحمولة، و87% من أجهزة ألعاب الفيديو.
وفي الوقت ذاته، تحاول الصين أن تحوّل الأزمة إلى فرصة، عبر تنويع أسواق التصدير والاستثمار في الاقتصادات الآسيوية الأخرى، وبالفعل، انخفضت حصة الولايات المتحدة من الصادرات الصينية من 19.2% إلى 14.7%.
ولم تكتفِ الصين بالرد الاقتصادي، بل شرعت في تصعيد دبلوماسي ذكي، بدءًا من مؤتمر ميونيخ للأمن، مرورًا بزيارات رفيعة المستوى إلى فيتنام وماليزيا وكمبوديا، ووصولًا إلى تقارب لافت مع الاتحاد الأوروبي.
أوروبا بين مطرقة الرسوم وسندان الصين
رغم الرسائل الإيجابية بين بكين وبروكسل، لا تزال أوروبا حذرة من النوايا الصينية، خصوصًا فيما يخص دعم بكين لموسكو في حرب أوكرانيا، بجانب أن ملف تايوان وحقوق الإنسان لا يزالان يشكلان عقبة حقيقية أمام التقارب الكامل.
وأظهرت بيانات الاتحاد الأوروبي، أن الفجوة التجارية مع الصين تفاقمت، حيث تجاوزت صادرات الصين إلى أوروبا وارداتها بأكثر من 300 مليار يورو في 2024.
وكشفت دراسة حديثة من مجموعة روديوم، عن علاقة مباشرة بين ارتفاع الواردات الصينية وانخفاض الإنتاج الأوروبي، محذّرة من أن أوروبا قد تصبح ساحة إغراق صناعي للفائض الصيني، خصوصًا في حال تباطؤ الطلب الأمريكي.
"آسيا" الحاضنة الجديدة لنفوذ بكين
في آسيا، تبدو الصين أكثر قدرة على بناء تحالفات جديدة، إذ تسعى دول مثل فيتنام، وماليزيا، واليابان إلى موازنة العلاقة بين واشنطن وبكين.
وعقدت الصين لقاءات ثلاثية مع اليابان وكوريا الجنوبية لاستئناف محادثات التجارة الحرة، بينما أظهرت دول مثل إندونيسيا وتايلاند وكمبوديا استعدادًا لإعادة النظر في مواقفها بعد تعرضها لتعريفات ترامب.
لكن، ورغم هذا الزخم، لا ترغب الصين في استبدال الولايات المتحدة، بل تسعى إلى تسريع خططها القديمة لاكتفاء ذاتي واستقلال استراتيجي، بدلاً من خوض صراع مفتوح مع واشنطن في كل ملف، حسبما قال الباحث ريان هاس.
اقرأ ايضا
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.