اقتصاد

لماذا تحقق أدوية إنقاص الوزن أرباحاً بمليارات الدولارات؟

تُعتبر السمنة واحدة من أكثر المشكلات الصحية شيوعاً في العالم، ومع ذلك، لم يقدم الطب منذ عدة سنوات إلا قليل جداً من الحلول الفعالة لها باستثناء الجراحة. وهذا هو سبب تلك الدرجة العالية من الاهتمام والإثارة المرتبطة بفئة جديدة من العقاقير التي تساعد المرضى على أن يفقدوا عشرات الأرطال بدرجة من المخاطرة ضئيلة للغاية، مع تحقيق إيرادات مليارية لصالح شركات الأدوية. 

يستقطب الهوس المرتبط بهذه العقاقير ردود أفعال من شركات متنوعة مثل خطوط الطيران ومراكز غسيل الكلى وسلاسل المتاجر الكبرى، ويدفع أسواق الأسهم في حالة من الجنون. 

روجت هوليوود لعقار ” أوزيمبيك” (Ozempic) الذي تنتجه شركة “نوفو نورديسك” (Novo Nordisk)، حيث أصبح أيضاً مادة للفكاهة، والآن تثير شركة “إيلي ليلي آند كو” (Eli Lilly & Co) ضجيجاً لافتاً بعقار “زيباوند” (Zepbound). 

الحدود التالية هي أدوية إنقاص الوزن التي تُؤخذ عن طريق الفم بدلاً من الحقن، حتى أن بعض الأطباء يصفون هذه الأدوية لعلاج سبب رئيسي من أسباب العقم عند النساء في الولايات المتحدة الأميركية.

كانت آخر مرة حدثت فيها ضجة كبيرة بهذا القدر على عقار جديد مع “الفياغرا”، الذي تمت الموافقة عليه في عام 1998. ومع ذلك، ما زالت هناك عراقيل. فهذه الأدوية تكلف الكثير من الأموال، في حين أن التغطية التأمينية غير كاملة، وقد يحتاج المرضى إلى استخدامها إلى أجل غير مسمى لتجنب العودة إلى زيادة الوزن. 

يحاكي عقار “أوزيمبيك”، ونسخة منه بجرعة أعلى من إنتاج “نوفو نورديسك” تُسمى “ويغوفي”، هرموناً يُفرَز بعد تناول الطعام، هو هرمون “GLP-1″، ويعمل في الدماغ على إضعاف الشهية وزيادة الإحساس بالشبع. 

هذه الأدوية، المعروفة باسم ناهضات مستقبلات الببتيد 1 الشبيه بالغلوكاغون، طُورت لأول مرة لعلاج داء السكري من النوع الثاني. كما يحفز هذا الهرمون البنكرياس على إفراز الأنسولين بعد الوجبات، مما يخفض نسبة السكر في الدم، والمعروف باسم الغلوكوز، حيث يعاني مرضى السكري من صعوبة في تنظيم مستويات الغلوكوز. 

بدأ استخدام هذه الأدوية كعلاج للسمنة بعد انخفاض أوزان مرضى السكري الذين تناولوها. ويتبع دواء “زيباوند” الذي تنتجه شركة “إيلي ليلي”، وهو أحدث هذه الأدوية، أسلوباً مختلفاً بعض الشيء، من خلال الجمع بين هرمون “GLP-1” وهرمون آخر في الأمعاء يُسمى “بولي ببتيد محفز الأنسولين المعتمد على الغلوكوز” أو “GIP”، والذي يساعد على خفض نسبة السكر في الدم، وقد يزيد أيضاً من عملية الأيض.

حتى الآن، صدرت الموافقة على ثلاثة من حقن ” GLP-1″ لعلاج السمنة في الولايات المتحدة، هي “ساكسندا” و”ويغوفي”، وكلاهما من إنتاج شركة “نوفو نورديسك”، و”زيباوند” من شركة “إيلي ليلي”. كما يصف بعض الأطباء أدوية جرت الموافقة عليها لمرضى السكري فقط، من بينها “أوزيمبيك” من “نوفو نورديسك” و”مونجارو” من “إيلي ليلي”، كأدوية تستخدم لإنقاص الوزن خارج دواعي الاستعمال الأصلية لها.

بعد انتشار “أوزيمبيك” على منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك”، مع تفاخر المؤثرين بفقدان الوزن، حدث نقص في هذا الدواء. وقد أدى ارتفاع الطلب إلى صعوبة مواكبة شركات صناعة الأدوية للطلب المتزايد عليه، حتى مع مليارات الدولارات التي تستثمرها في الإنتاج. لا يزال الدواء الذي تنتجه شركة “نوفو نورديسك” ناقصاً في الأسواق، وفي أبريل أضافت إدارة الغذاء والدواء الأميركية عقار “زيباوند” إلى قائمة الأدوية الناقصة. وأعلنت شركة جديدة لصناعة أدوية إنقاص الوزن تُدعى “متسيرا” (Metsera) عن انطلاقها في أبريل بتمويل قدره 290 مليون دولار.

لم تحقق النسخ الأولى من عقاقير “GLP-1” سوى درجة متواضعة من إنقاص الوزن عند تناولها من قبل مرضى السكري. واستفادت الأدوية الأحدث من ذلك. فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت على دواء “ساكسندا” أنه أنقص حوالي 5% من وزن الجسم. أما الدواءان اللذان يعتبران الأكثر فعالية في الوقت الحالي فهما دواء “ويغوفي”، المعروف أيضاً باسم “سيماغلوتيد”، الذي ثبت أنه يقلل من النوبات والأزمات القلبية، ودواء “زيباوند” الذي يحتوي على نفس المادة الفعالة مثل “مونجارو”. وفي نتائج التجارب، ساعدت هذه الأدوية المرضى على إنقاص حوالي 15% و21% من وزن الجسم على التوالي. 

في الدراسات، ساعدت هذه الأدوية أيضاً على تحسين ضغط الدم ومستويات الكوليسترول لدى المرضى. وبالمقارنة، يمكن أن تؤدي جراحة علاج البدانة، التي يتم فيها تعديل الجهاز الهضمي للمساعدة في إنقاص الوزن، إلى إنقاص 30% من الوزن، ولكنها تُعتبر أكثر خطورة وذات تكلفة مباشرة أعلى. 

قالت شركة “نوفو نورديسك” في أغسطس أن دواء “ويغوفي”، بالمقارنة مع دواء وهمي، قلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 20% لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة أو زيادة الوزن ولديهم تاريخ من المشكلات القلبية.

 ووجدت دراسة نُشرت في دورية “نيو إنغلاند الطبية” (New England Journal of Medicine) في 24 مايو أن مرضى السكري المصابين بأمراض الكلى الناجمة عن السكري كانوا أقل عرضة للوفاة لأي سبب من الأسباب خلال الدراسة بنسبة 20% إذا تناولوا عقار “أوزيمبيك” بدلاً من الدواء الوهمي. 

نظراً لأن الأدوية في هذه الفئة تُستخدم منذ ما يقرب من 20 عاماً لعلاج مرضى السكري، فإن شروط السلامة الخاصة بها تُعتبر مؤكدة ومستقرة. فمعظم آثارها الجانبية المعروفة ليست خطيرة، على الرغم من أنها قد تكون مزعجة، حيث أفاد ما بين 25% و45% من المرضى أنهم عانوا من الغثيان أو الإسهال أو القيء أو الإمساك عند تناول دواء “ويغوفي”. 

يشير الدواء في معلومات السلامة الخاصة به إلى وجود خطر محتمل للإصابة بسرطان الغدة الدرقية، ويُنصح الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي لبعض الحالات الخطيرة بعدم تناوله. 

قد يعاني المرضى أيضاً من التهاب البنكرياس أو إصابة الكلى. وفي سبتمبر، أضافت إدارة الغذاء والدواء الأميركية تحذيراً في النشرة الداخلية لدواء “أوزيمبيك” لمراعاة التقارير التي تفيد بحدوث انسداد في الأمعاء لدى بعض المرضى. ويظهر هذا التحذير نفسه أيضاً بالنشرات الداخلية الخاصة بدواءي “ويغوفي” و”مونجارو”. ولكن لم تتم دراسة آثار العلاجات الجديدة على المدى الطويل على المرضى الذين يتناولونها لعلاج السمنة. وقال الخبراء أيضاً إنه بالنسبة للمرضى الأكبر سناً، قد يشكل فقدان العضلات عند تناول أدوية “GLP-1” خطراً على المرضى الأكبر سناً.

وجدت الدراسات أن المرضى الذين يتوقفون عن تناول دواء “ويغوفي” يستعيدون معظم الوزن الذي فقدوه. وهذا هو عيب كل علاجات الوزن تقريباً، حيث يستعيد متبعو الحميات الغذائية أكثر من 80% من وزنهم الذي فقدوه في غضون خمس سنوات، وأحياناً أكثر من ذلك، بينما يعاني ما يصل إلى ربع الذين يخضعون لجراحة علاج البدانة من استعادة الوزن بشكل كبير.

أكبر هذه العوائق قد يكون السعر، حيث يكلف دواء “ويغوفي” حوالي 1400 دولار شهرياً في الولايات المتحدة، وهو سعر يقع حتى الآن على عاتق المرضى بشكل رئيسي، لأن 20% إلى 30% فقط من المرضى المؤمن عليهم من القطاع الخاص لديهم تغطية لهذه الأدوية، ولا يغطي برنامج التأمين الطبي لكبار السن “ميديكير” أدوية السمنة على الإطلاق. كما أن التغطية محدودة أيضاً في الخارج، على الرغم من أن الجهات التي تدفع في بعض البلدان، مثل كندا وسويسرا وكولومبيا، ستسدد تكاليف دواء “ساكسندا” في بعض الحالات. 

يشير العبء المالي والآثار الجانبية إلى أن قلة من الناس سيملكون القدرة على استخدام أدوية السمنة مدى الحياة. ولكن هناك تقدم يحدث فعلاً على مستوى السعر، وتقول شركة “إيلي ليلي” إنها تخطط لأن تتقاضى سعراً لعقار “زيباوند” يقل بنسبة تتجاوز 20% عما تتقاضاه شركة “نوفو نورديسك” مقابل عقار “ويغوفي”، أو حوالي 1060 دولاراً شهرياً. تقدم “نوفو نورديسك” في بعض الأحيان خصماً على دواء “ويغوفي” يخفض السعر بنسبة مؤثرة. 

بعض البرامج الصحية الحكومية تعاني فعلاً من أجل دفع تكاليفها. فعلى سبيل المثال، أوقفت ولاية كارولينا الشمالية تغطية الأدوية المضادة للسمنة لموظفي الولاية.

إن عقاقير “نوفو نورديسك” و”إيلي ليلي” محمية بحقوق الملكية الفكرية، لذا فإن طرح المنتجات الشبيهة التي تحتوي على نفس المواد الفعالة للجمهور لن يتم قبل سنوات عديدة. ولكن نظراً لفشل الشركتين في مواكبة الطلب، لجأت الصيدليات إلى صنع أدوية مقلدة باستخدام مواد فعالة مماثلة، وهي عملية تُعرف باسم “التركيب”. ويُسمح للصيدليات بالقيام بذلك عند تصنيف إدارة الغذاء والدواء الأميركية أدوية معينة بأنها ناقصة في السوق. 

أحد الأمثلة على ذلك هو شركة “هيمز آند هيرز هيلث”، التي وصلت مبيعاتها إلى ما يقرب من مليار دولار من خلال تسهيل شراء منتجات شبيهة منخفضة التكلفة من الأدوية الشائعة مثل الفياغرا، ونسخة مركبة من دواء “ويغوفي” مقابل 199 دولاراً في الشهر – أي أرخص بنسبة 85% تقريباً مقارنةً بالمنتج الذي يحمل العلامة التجارية الأصلية. وهناك القليل من المعلومات المتاحة للجمهور حول عدد الأشخاص الذين يتناولون النسخ المركبة من الأدوية.

بعد أشهر من الاضطرابات، بدا أن مشكلات الإمداد لدى شركة “إيلي ليلي” بدأت تتحسن بحلول بداية شهر أغسطس، عندما قال الرئيس التنفيذي للشركة إنه يتوقع انتهاء مشكلة نقص الدواء رسمياً في وقت قريب جداً. وفي هذه الأثناء، بدأت الشركة في طرح عبوات جرعة واحدة من عقار “زيباوند” لمساعدة المرضى في الحصول على الدواء.

لدى شركتي “إيلي ليلي” و”نوفو نورديسك” حبوب دوائية قيد الإنتاج بالفعل، في حين أن شركات الأدوية الأخرى مثل “فايزر” و”أسترازينيكا” و”أمجن” تتأخر عنهما في ذلك. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
slot gacor buy138 buy138 gaya69
bonanza88 bonanza88