ثنائية الخطر الخارجي والسيطرة الداخلية.. ما وراء إدانة اليمنيين بخلايا التجسس؟! (تحليل خاص)
أظهرت اعترافات نشرها الحوثيون لما زعموا أنها خلية “تجسس” تعمل لصالح المخابرات الأمريكية لتدمير التعليم في اليمن، عن تطوير نهج جديد للجماعة المسلحة التي تدير المناطق الأكثر كثافة سكانية في البلاد لإحكام سيطرتها على مؤسسات الدولة.
وقَدم الحوثيون رواية غير متماسكة ومحرجة للغاية لما قالوا إنها عمليات للمخابرات الأمريكية في المناهج الدراسية وإدارة التعليم العام والجامعي في البلاد خلال نصف القرن الماضي. وأظهرت الاعترافات أن الأكاديميين المتهمين الذين ظهروا في مقاطع الفيديو اعتقلوا ويحاكموا بسبب قيامهم بعملهم في إدارة العملية التعليمية خلال العقود الأربعة الماضية.
فلماذا قَدم الحوثيون هذه الاعترافات غير المنطقية والتي خرجت في سيناريو سيء رغم ضخامة الترويج الإعلامي في مناطق سيطرة الجماعة؟! يحاول هذا التقرير الإجابة عن هذا التساؤل.
أعلن الحوثيون العام الماضي بدء مرحلة “التغييرات الجذرية”، يرتبط التعليم بشكل وثيق بتغييرات الجماعة المسلحة، والذي سيشمل تغيّر السياسات العامة واللوائح الإدارية. يقوم مكتب زعيم الحوثيين بصناعة السياسات العامة الجديدة، التي ستفرض في كل المؤسسات بما يرتبط بثلاثة أمور رئيسية: الهوية الإيمانية، والرؤية الجامعة، في إطار القواسم المشتركة. وعادة ما روجت الجماعة لنسختها من الإسلام (المذهب الهادوي/الزيدي) على كونه “الهوية الإيمانية”، والرؤية الجامعة باعتبارها نظرة الجماعة للولاء والبراء، والقواسم المشتركة ما يعرف “بعهد الإمام علي لمالك الأشتر” وهي صيغة الحكم والسلطة (إمام ورعية ومسؤولي دولة).
أعلن الحوثيون بالفعل عن مكتب قانوني لا يرتبط بحكومتهم غير المعترف بها دولياً، ولا تمر قوانينه ولوائحه بمجلس النواب كما يقول مسؤول مطلع للغاية على التفاصيل لـ”يمن مونيتور”.
ويضيف أنه سيجري “دمج المكاتب والإدارات في وزارة التربية والتعليم، إلى جانب تغيير معظم مدراء الإدارات والمكاتب، سنشاهد هياكل جديدة تظهر”.
أي رفض سيظهره الموظفون الحاليون سيعتبر تمرداً يوجب العقاب، ومرتبطاً بخلايا تجسس ومحاولات تحكم خارجية، كانت هذه الرسالة القادمة من الاعترافات التي تم تقديمها للمسؤولين السابقين في التعليم.
وعقب الهدنة الموجودة في اليمن في ابريل/نيسان 2022 أرسل الحوثيون عدة وفود بينها وفد يقوده “عبدالله هاشم السياني” إلى إيران، استمر قرابة العام لدراسة شكل مؤسسات الدولة وما يقولون إنها “التجربة الإيرانية الناجحة” خلال أربعة عقود بعد حكم الشاه، وبناء نظام ثوري كما هي عليه اليوم-حسب ما أفاد مصدران مطلعان على جدول أعمال الوفد لـ”يمن مونيتور”. في مارس/آذار 2024 أفصح قيادي في الجماعة عن نيتهم استنساخ منصب المرشد الأعلى في اليمن ليكون زعيم الحوثيين.
على عكس معظم مؤسسات الدولة والقطاعات الأخرى بما في ذلك العسكرية والأمنية واجه الحوثيون مشاكل كبيرة للسيطرة على هذا القطاع، فبمقاييس التعليم الحديث، معظم قادة الجماعة المسلحة لم يتلقوا تعليماً جامعياً أو يكونوا قريباً منه. زعيم الجماعة “عبدالملك الحوثي” تلقى تعليم منزلي على يد والده قائد الحركة السابق وشقيقه زعيم الجماعة. وخلال السنوات من 2017 وحتى 2024 عُهد التعليم إلى شقيق زعيم الجماعة “يحيى الحوثي” وهو الآخر رغم وجوده خارج البلاد خلال الحروب الست (2004-2013) إلا أنه لم يتلق تعليماً أكاديمياً وجامعياً أو انتظم في صفوف الدراسة.
اعتمد الحوثيون خلال الفترة بين (2015- الآن) على تكنوقراط الحكومات السابقة من الموالين للرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح، أو ممن ظلوا في مناصبهم لإدارة المؤسسات بغض النظر عن الجهة التي تسيطر على السلطة؛ بينها “التعليم” الذي حاول الحوثيون فرض أجندتهم في مناهج الدراسة، وفي المدارس ومكاتب التعليم المنتشرة في المديريات الواقعة تحت سيطرتهم؛ لكن عادة ما ارتبط ذلك برفض المسؤولين السابقين وخبراء التعليم في البلاد الذين أنضم إليهم، مجموع المعلمين ومدراء المدارس والمكاتب حتى أولئك الذين غيروا ولائهم لصالح الجماعة.